ما دفعني إلى هذا العنوان، ابتعادنا عن أشياء جميلة في حياتنا بعد أن هيمنت الحروب والكراهية والسياسة علينا، واليوم سأكتب عن الزمن الجميل... وعن أحد أبطال هذا الزمن.
من أولئك الذين تمر أسماؤهم – أحياناً – مروراً عابراً دون أن نتوقف أمام معطياتهم، ونجد أنفسنا أحياناً نعيد النظر في الاهتمام بهم، لنكتشف أنهم كانوا من المبدعين، وأثروا حياتنا بإبداعاتهم.الشاعر الغنائي مرسي جميل عزيز واحد من هؤلاء... إذ أبدعت قريحته الشعرية الغنائية أجمل ما تغنت به أم كلثوم مثل "سيرة الحب"، و"ألف ليلة وليلة"، و"فات الميعاد".كما أبدع مرسي أغنيات أخرى مثل "أنا بستناك" لنجاة الصغيرة، و"أنا قلبي لك ميال"، و"يما القمر عالباب" لفايزة أحمد، و"في يوم في شهر في سنة"، و"بأمر الحب" لعبدالحليم حافظ... وهناك الكثير من معطيات هذا الشاعر الذي لم يأخذ حقه من الاهتمام الذي يليق به. أمضى مرسي أربعين سنة من حياته يرصع الكلمات، ويبتكر المعاني، ويكتب أحلى أغنيات الزمن الجميل لأم كلثوم، وللأطرش، ولعبدالحليم، ولفايزة أحمد، ونجاة الصغيرة، وحتى المطربة فيروز غنت لمرسي الذي كتب لها خصوصاً رائعته الفصحى "سوف أحيا".* * *وهناك حادثة تستحق الذكر، كان بطلها مرسي عزيز، في صراعه مع الموسيقار محمد عبدالوهاب.من المتعارف عليه في عالم الغناء أن يكتب الشاعر كلمات أغنية ما، ثم يأتي بعد ذلك دور الملحن ليضع اللحن الخاص بهذه الأغنية، إلا أن هذا الأمر لم يكن يحدث مع محمد عبدالوهاب، إذ كانت له طريقته الخاصة مثلما كانت له ألحانه المتميزة.وكانت طريقة عبدالوهاب في العمل ترهق أي مؤلف أغان يتعامل معه، إذ كان يضع اللحن أولاً، ثم يطلب من الشاعر أن يكتب كلمات تُركب على هذا اللحن، وكان هناك الكثير ممن يقبلون هذا الأمر، لكن الشاعر مرسي لم يكن يحب أن يتعاون معه بسبب هذه الطريقة، وإن كان يتمنى هذا التعاون.وأغنية "من غير ليه" هي الأغنية التي جمعت بين مرسي عزيز وعبدالوهاب، وذلك بعد أن طلب عبدالحليم حافظ منه أن يكتب أغنية يلحنها عبدالوهاب، فوافق مرسي عندما علم أن الأمر سيسير بشكل طبيعي.ولم يكن مرسي يعرف في هذا التوقيت أن معاناته قد بدأت، وأن هذه الأغنية سترهقه أكثر من أي أغنية أخرى، وبدأت الحكاية عندما استمع عبدالحليم وعبدالوهاب للأغنية، وأعجبا بها بشدة، وأثنيا على مرسي، إلا أنهما طلبا منه تغييراً بسيطاً في الكلمات.التغيير البسيط الذي كان يطلبه عبدالوهاب وعبدالحليم، أخذ من مرسي عزيز عامين كاملين 1974 - 1975، ففاض الكيل بمرسي في كل مرة كان يجلس فيها مع عبدالوهاب، ويلقي على مسامعه ما كتبه، ثم يصفق له عبدالوهاب، ويطلب منه في كل مرة تغييراً جديداً، وظل يذهب ويجيء حتى فقد أعصابه.وفي المرة التي وافق فيها عبدالوهاب على الشكل النهائي للأغنية، وكان ذلك في منزله، وقف مرسي يتنفس الصعداء قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله... لكنه قبل أن يصل إلى الباب ناداه عبدالوهاب من جديد يطالبه بتغيير كلمة أخرى!... فالتفت إليه مرسي غاضباً.وقال للحضور وكان من بينهم مجدي العمروسي وعبدالحليم حافظ: "ملعون أبوكم، وملعون أبوك انت يا محمد عبدالوهاب كمان"، ثم رحل وأغلق الباب وراءه!
أخر كلام
لعنة الله... على الحروب والكراهية... والسياسة!
09-05-2015