لا توجد أمة تحاول أن تحافظ على لغتها من "لعنة" التطور والابتكار أكثر من اللغة العربية، لكنها أيضا الأمة التى تريد أن تنسخ من قاموسها مصطلح "هزيمة" والذى تراه الأمة، كل الأمة، مصطلحا لا يليق بعنجيتها ولا يتناسب مع ذاتها المصابة بداء الماضي والتاريخ.
وما يجعل هذه الأمة تتلقى الهزيمة تلو الأخرى هو فقدانها الاحساس بهذه الهزائم قبل فقدانها عدم الاعتراف بها. بالتأكيد لا يوجد عربي من الخليج الى المحيط لا يتمنى أن تحقق هذه الأمة انتصارا، أي انتصار، على عدوها الدائم حتى الآن. وهي تدرك أنها لا ترى في الأفق البعيد لا القريب ما يدل على وجود بوادر لهذا الانتصار أو مؤشر وحيد ينبئ به.بدأت اشكالية الأمة العربية ومصطلح الهزيمة منذ عام 1976 حين انهارت الجيوش العربية في أقسى ستة أيام في تاريخنا القديم والحديث، ولم يتعامل العرب مع المصطلح كما تتعامل الدول ولنضرب اليابان وألمانيا مثالين مكررين لا بأس. بدأ تحريف المصطلح الى نكسة، نكبة، خسارة جولة لا خسارة الحرب. حتى بدأ المصطلح يلغى تماما في عام 1973 ليدخل مصطلح النصر وكأنه بديل مقنع للهزيمة. وكان ذلك يرضي غرور هذه الأمة ويقنعها أو يوهمها بأنها انتصرت. أما واقعيا فلا الجولان عادت لنا ولا سيناء قبل معاهدة الصلح، لم تعد الضفة الى الأردن ولا غزة الى مصر وما حصلنا عليه من مصطلح النصر واقعيا هو شحن معنوي لأنفس منهارة والتخلص من مصطلح الهزيمة الكريه.اجتاحت اسرائيل لبنان وأخرجت المقاتل الفلسطيني الى شمال افريقيا وهو يرفع اشارة النصر كما كان يرفعها في كل هزائمنا السابقة. احتلت الجنوب عشرين عاما وانسحبت دون أن تطاردها الجيوش العربية واحتفلنا بالنصر. دمرت الضاحية الجنوبية عام 2006 وجعلت حزب الله يفكر ألف مرة قبل أن يقوم بعملية مشابهة. واحتفل العرب هناك بالنصر ربما احتفالا لبقائهم أحياء. وقبل ذلك دكت جيوش العرب والعالم صدام حسين وحين انتهت الحرب بقي الرئيس على قيد الحياة وكان ذلك كافيا ليصرح بأنه انتصر متأثرا بحساسية العرب أمام مصطلح الهزيمة. واليوم أيضا تدمر غزة مرتين ويعاني شعبها من القصف والجوع وتحاصر حتى الموت ونحن نقول انتصرت غزة مستخدمين ذات الثقافة الموروثة في تعريف الهزيمة.علينا أن نضع أوراقنا الحقيقية على الطاولة، لم تعد أرواح الأبرياء تحتمل وهي جائعة وعارية ومغيبة حروبا نتوهم انتصارنا فيها فقط لأن قادة هذه الحروب مازالوا على قيد الحياة. أن نعترف بالهزيمة ونتعامل معها كمصطلح معادل للنصر يعني أننا نضع أقدامنا على الطريق الصحيح للوصول الى نصر حقيقي، نصر يحقق مكتسبات يلمسها الناس، نصر يحتاج للأخذ بأسبابه، نصر يحتاج لعمل طويل وشاق.وعلينا أن نعترف أنه بعيد جدا في ظل هذه الظروف التي يعيشها عالمنا العربي. فمازالت جيوشنا المهلهلة بحاجة للطيران الأميركي للانتصار على مجموعة ارهابية لا تتعدى بضعة آلاف مقاتل أغلبهم أجانب. نصر بحاجة الى معجزة نتغلب فيها على ذواتنا المهزومة.نعم نريدا نصرا لكننا نريد نصرا حقيقا لا أشلاء بشرية وحطام مدن وبقايا منازل نقف فوقها ونرفع شارة النصر.
توابل - مزاج
هزيمة لا... انتصار نعم
31-08-2014