قبل أربع سنوات تقريبا، اندلعت أولى الانتفاضات في دمشق وبدأت الحرب الأهلية في سورية، وفي مختلف أنحاء البلاد، قُتِل أكثر من 240 ألف شخص، وفَقَد أكثر من 7.5 ملايين شخص آخرين منازلهم أو فروا من البلاد وأصبحوا لاجئين، والآن أصبحت سورية غارقة في صراع دموي وقاس وعَبَثي، وحان الوقت لكي نقول "كفى"، بدءاً بالمدينة المخربة البائسة حلب.

Ad

لا شك أن إنهاء القتال لن يكون سهلا، إذ يتطلب الأمر التنسيق والتعاون بين خصوم إقليميين وعالميين، ولكن التوصل إلى وقف إطلاق النار لن يكون فرصة لإنهاء كارثة إنسانية فحسب؛ بل قد يمثل أيضاً بداية نهج جديد لحل الأزمات ومنعها في أماكن أخرى.

إن حلب واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، وواحدة من أعنف ساحات المعارك وأكثرها دموية في هذه الحرب. وهذه المدينة المسوّرة العتيقة واحدة من ستة مواقع تعتبرها منظمة اليونسكو تراثاً عالمياً في سورية، والواقع أن قسماً كبيراً من المدينة تضرر بشكل يستحيل معه إصلاحه، واليوم أصبحت حلب تحت سيطرة المتمردين، ومحاصرة بقوات الجيش السوري، وعلى بُعد بضع عشرات من الكيلومترات ينتظر مسلحون متشددون موالون لتنظيم الدولة الإسلامية.

إن سلسلة الإخفاقات الدولية في هذا الصراع حتى الآن لا تُغتَفَر، وكل انهيار لاحق في المفاوضات، بما في ذلك محادثات جنيف، لم يبعد الأطراف المتحاربة عن السلام فحسب، بل ساهم أيضاً في حدوث تطورات كارثية، بما في ذلك انبعاث الإرهاب المتطرف من جديد وظهور تنظيم الدولة الإسلامية.

لم يعد من الممكن تأجيل وقف إطلاق النار في حلب بعد الآن، وسوف تكون الجهود الإنسانية الهائلة مطلوبة لمعالجة الوضع المأساوي الذي خلفته الحرب، كما سيكون تفاني مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستيفان دي ميستورا شديد الأهمية.

ومن حسن الحظ أن حليفي الرئيس السوري بشار الأسد الرئيسين، إيران وروسيا، لديهما من الأسباب ما يجعلهما يسعيان إلى وقف إطلاق النار، فقد أثرت أسعار النفط الهابطة والعقوبات الاقتصادية على البلدين، وتشعر إيران على نحو متزايد بأن الدعم الاقتصادي الذي تقدمه للجيش السوري وحزب الله في لبنان يستنزفها، في حين تكافح السلطات الروسية، التي تواجه الآن أيضاً أزمة عُملة، العاصفة الكاملة، وكلا البلدين لديه أيضاً من الأسباب ما يجعله حريصاً على إظهار قدرته على المساهمة في تعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي، وإيران بشكل خاص، حيث تمر المفاوضات الدولية بشأن برنامجها النووي بمرحلة حرجة.

وإذا هددت روسيا وإيران بسحب الدعم، فلن يجد الأسد خياراً آخر غير الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولكن العقبة الكبرى التي تحول دون التوصل إلى وقف إطلاق النار هي ذاتها التي ظهرت أثناء المفاوضات حول الأسلحة الكيميائية في سورية: فأي اتفاق سوف يتطلب قبول الأسد كشريك في المفاوضات. وإذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار في هذه المرحلة، فسوف يعكس هذا الطبيعة المتغيرة للبيئة الجيوسياسية اليوم، وسوف يتطلب إنهاء القتال التعاون بين الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، وإيران، وربما المملكة العربية السعودية وقطر، في العمل نحو تحقيق هدف مشترك، ومن أجل تحقيق نتائج ملموسة في المستقبل، فلابد أن تكون التحالفات الدولية أوسع وأكثر شمولاً وتمثيلاً لمصالح الجميع.

اليوم، هناك مجموعة متنوعة من "الأقطاب" الاستراتيجية، وكلها قادر على الجذب والتأثير، وفي هذا السياق المتعدد الأطراف، سوف يفشل العمل الأحادي على نحو متزايد في تحقيق أهدافه، ولو كانت المفاوضات قد اعترفت بهذا وسلكت مساراً أكثر تماسكاً حتى الآن، فإن الصراع في سورية كان سينتهي إلى الحل قبل فترة طويلة، وكنا سنتجنب قدراً كبيراً من الموت والدمار.

وبالنسبة إلى أوروبا، لا بد أن يخدم انهيار سورية كجرس إنذار، فالصعوبات الماثلة هناك لا تقتصر على الشرق الأوسط غير المستقر بشكل مزمن، ويتعين على أوروبا أن تواجه هذا الموقف على الفور، ولكن قوة جذب القطب الأوروبي أصبحت في تضاؤل مستمر، فحتى في حين تصارع بلدان الاتحاد الأوروبي الضائقة الاقتصادية، فإنها تجد نفسها وسط دوامة جيوسياسية متنامية: فكل من الأزمات في أوكرانيا وروسيا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط تمثل تحدياً كبيرا.

ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يعترف بأنه لم يعد المركز الذي يدور حوله جيرانه، وعلى حد تعبير ستيفان ليهن الباحث الزائر لدى مؤسسة كارنيغي في أوروبا مؤخرا، فإن أوروبا تعيش أزمة فكرية، فحقيقة العالم المتعدد الأقطاب هي أن لاعبين آخرين قادرون على الجذب والتأثير، على سبيل المثال، تعمل الصين على استعادة المرحلة الأخيرة من طريق الحرير القديم للوصول إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، وتمتد هذه المرحلة عبر منطقة البلقان.

وقد طلب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر من المفوض الجديد للسياسة الإقليمية يوهانس هان أن يقدم توصيات تهدف إلى إعادة تعريف سياسة الجوار الأوروبي، الإطار الذي يتواصل الاتحاد الأوروبي من خلاله مع بيئته الجيوسياسية المباشرة، وتحتاج السياسة إلى إصلاح شامل، فلم يعد من المنطقي تطبيق معيار منفرد، ولم يعد عرض الاتحاد الأوروبي فريداً من نوعه، فهو يواجه المنافسة من قِبَل أطر أخرى لتحقيق التكامل، وجهات فاعلة أخرى، وعدد لا يحصى من الفرص الاستراتيجية. وفي هذا السياق، قد يكون من المهم بنفس القدر النظر إلى أحوال جيران جيران أوروبا.

ولا بد من جعل سياسة الجوار الأوروبي أكثر مرونة، فقد فشلت الشروط المسبقة بوضوح في تحقيق النتائج المرجوة، لأن نجاحها يعتمد في نهاية المطاف على استعداد البلدان لقبول الأجندة الأوروبية، وسوف تحتاج البلدان التي تعتبر مهمة من الناحية الاستراتيجية إلى قدر أعظم من الاهتمام والمزيد من الالتزام.

إن السياسة الدولية تشهد تغيرات استثنائية بعيدة المدى، وما لم يكن تعدد الأقطاب مصحوباً بنهج تعددي فعّال، فإن مشاكل مثل الحرب الأهلية في سورية سوف تصبح أكثر تكرارا، وأكثر استعصاءً على الحل، والآن، تُعَد سورية وأكبر مدنها الموقع المثالي للبدء بالبحث عن سبيل أفضل.

* خافيير سولانا | Javier Solana ، ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى لشؤون السياسة الخارجية والأمن، والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ووزير خارجية إسبانيا سابقا، ويشغل حالياً منصب رئيس مركز إيساد (ESADE) للاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية، وزميل متميز لدى مؤسسة بروكنجز.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»