أسباب قد تهوي بسعر النفط إلى 20 دولاراً
من الضغوط الإضافية التي تواجه أسعار النفط المتدنية في الأجل الطويل إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وروسيا، فضلاً عن نهاية الحرب الأهلية في العراق وليبيا، وهو ما من شأنه أن يطرح كميات من النفط تفوق ما تطرحه السعودية في الأسواق العالمية.
إلى أي مدى يمكن لأسعار النفط أن تنخفض؟ وكم ستطول مدة هبوطها؟ هذان سؤالان يثيرهما معاً انخفاض سعر النفط بنسبة 50 في المئة، وبينما ليس في وسع أحد الإجابة عن السؤال الأول بصورة مؤكدة (وسأحاول الرد عليه بعد لحظات) فإن السؤال الثاني في غاية السهولة.سوف تستمر أسعار النفط المنخفضة فترة كافية لحدوث أمر أو اثنين، الاحتمال الأول، وهو الذي يبدو أن معظم التجار والمحللين يتوقعونه، يتمثل في استعادة المملكة العربية السعودية تأسيس قوة احتكار منظمة أوبك، وذلك بمجرد إنجاز الأهداف الجيوسياسية والاقتصادية الحقيقية التي دفعتها إلى تحريك الانخفاض في أسعار النفط، أما الاحتمال الثاني، الذي كنت كتبت عنه قبل أسبوعين، فهو أن أسواق النفط العالمية ستتحرك نحو ظروف منافسة عادية يتم من خلالها تحديد أسعار النفط من خلال تكلفة الإنتاج الهامشية، بدلاً من قوة احتكار السعودية أو أوبك.
وقد يبدو هذا نوعاً من السيناريو البعيد الاحتمال، ولكنه، بشكل تقريبي، الطريقة التي كانت أسواق النفط تعمل من خلالها طوال عقدين من الزمن من سنة 1986 إلى 2004.وأياً كانت الحصيلة التي تحدد في نهاية المطاف أسعار النفط، فإن في وسعنا التأكد من أن هذه العملية ستتطلب الكثير من الوقت حتى تأخذ طريقها إلى التطبيق، غير أن الشيء الذي لا يمكن تخيله هو أن تكون فترة تمتد لبضعة أشهر من هبوط الأسعار كافية بالنسبة الى السعودية كي تحطم المحور الايراني – الروسي أو لتعكس وتيرة النمو في انتاج الزيت الحجري في الولايات المتحدة، والشيء الذي لا يمكن تخيله أيضاً أن تتمكن أسواق النفط بسرعة من الانتقال من هيمنة منظمة أوبك إلى أوضاع منافسة عادية.ومن المحتمل أن يتعرض العديد من المستثمرين الذين يتوقعون ارتداد أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الهبوط الأخير بسرعة لخيبة أمل، وأفضل شيء يمكن للمضاربين على النفط توقعه هو قيام مستوى أسعار جديد ومستدام ومنخفض في أعقاب معارك السنوات المتعددة حول هيمنة الشرق الأوسط على حصة سوق النفط.السؤال المهموالسؤال الذي يتسم بأهمية هو: ما إذا كان السعر الحالي لبرميل النفط الذي يقارب 55 دولاراً هو الأقرب الى أدنى أو أعلى المستويات الجديدة؟ وتاريخ أسعار النفط المعدلة بالتضخم، وبحسب مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة، يوفر بعض الملاحظات المثيرة للاهتمام، إذ يمكن تقسيم فترة الأربعين السابقة سنة منذ استعرضت منظمة أوبك عضلاتها لأول مرة في سنة 1974 إلى ثلاث فترات متميزة، فمن سنة 1974 إلى سنة 1985 تفاوت سعر نفط غرب تكساس، وهو سعر الأساس في الولايات المتحدة، بين 48 و120 دولاراً بحسب سعر اليوم. ومن سنة 1986 إلى 2004 تراوح سعر برميل النفط بين 21 و48 دولاراً (باستثناء فترات قصيرة خلال الأزمة الروسية في سنة 1998 والحرب في العراق في سنة 1991 )، ومن سنة 2005 حتى هذه السنة تم من جديد تداول النفط بسعر تراوح بين 50 دولاراً و120 دولاراً، ما عدا ارتفاعين قصيرين جداً خلال الأزمة الاقتصادية العالمية في سنة 2008- 2009.أهمية الفترات الثلاثما يضفي أهمية خاصة على هذه الفترات الثلاث هو أن مستوى التداول خلال السنوات العشر الماضية كان مشابهاً جداً للعقد الأول (1974 - 1985) من هيمنة منظمة أوبك، ولكن فترة الـ 19 سنة من 1986 الى 2004 شكلت نظاماً مختلفاً تماماً، ويبدو أن في وسعنا أن ننسب هذا الفارق بين هذين النظامين إلى انهيار قوة "أوبك" في سنة 1985 والتحول من التسعير الاحتكاري إلى التنافسي خلال العشرين سنة التالية، وما أعقبه من استعادة التسعير الاحتكاري في سنة 2005، بعد أن استفادت أوبك من الارتفاع الحاد في الطلب الصيني على النفط. ونتيجة لهذا التاريخ، فإن الخط الفاصل بين النظامين الاحتكاري والتنافسي عند أقل قليلاً من 50 دولاراً للبرميل، يبدو تقديراً معقولاً للنهاية التي ستصل إليها حدود التداول الجديدة في الأجل الطويل، ولكن السؤال: هل سيشكل سعر 50 دولاراً الأرضية أم السقف لسعر برميل النفط في السنوات المقبلة؟أسعار الماضيتوجد عدة أسباب تدفع إلى توقع هبوط أسعار النفط إلى ما بين 20 دولاراً و50 دولاراً كما كان الحال في الفترة ما بين سنة 1986 و 2004، كما تسهم الضغوط التقنية والبيئية في خفض الطلب على النفط في الأجل الطويل، وتهدد بتحويل الكثير من النفط العالي التكلفة خارج الشرق الأوسط وانتقاله إلى أصول مشابهة لاحتياطيات الفحم الضخمة. وتشمل الضغوط الإضافية بالنسبة إلى أسعار النفط المتدنية في الأجل الطويل إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية على إيران وروسيا ونهاية الحرب الأهلية في العراق وليبيا، وهو ما سيطرح كميات من النفط تفوق ما تطرحه السعودية في الأسواق العالمية.وقد تكون ثورة الزيت الحجري في الولايات المتحدة المجادلة الأقوى في ما يتعلق بالعودة إلى التسعير التنافسي للنفط، بدلاً من نظام الاحتكار لمنظمة أوبك في فترتي 1974 – 1985، و2005– 2014. وعلى الرغم من أن الزيت الحجري يعتبر مكلفاً بشكل نسبي فإن بالإمكان تشغيل وإيقاف الإنتاج بصورة أكثر سهولة – وأرخص أيضاً – من حقول النفط التقليدية، وهذا يعني أن المنقبين عن الزيت الحجري يجب أن يتحولوا إلى منتجين في أسواق النفط العالمية بدلاً من السعوديين.وفي سوق تنافسي حقيقي سيقوم السعوديون وغيرهم من منتجي النفط المتدني التكلفة دائماً بضخ أقصى كمية بينما تتوقف عمليات الزيت الحجري عندما يضعف الطلب، وتزداد عندما يتحسن الطلب، ويشير هذا المنطق التنافسي إلى أن التكلفة الهامشية للزيت الحجري في الولايات المتحدة، والتي تقدر بصورة عامة عند 40 إلى 50 دولاراً، يجب أن تشكل في المستقبل السقف بالنسبة إلى أسعار النفط العالمية.تسعير "أوبك"من جهة أخرى، توجد مجادلات جيدة أيضاً تتعلق بتسعير "أوبك" لبرميل النفط عند 50 إلى 120 دولاراً بمجرد أن تختبر الأسواق نهاية هذا المستوى، ثم إن لدى الدول الأعضاء في "أوبك" مصلحة قوية في منع العودة إلى التسعير التنافسي ويمكن أن تتعلم كيفية العمل من جديد مثل كارتل فعال، وعلى الرغم من أن تحديد السعر سيكون أكثر صعوبة مع زيادة المنتجين الأميركيين لحصتهم السوقية، فإن منظمة أوبك يمكن أن تحاول فرض تسعير "تأديبي" إذا استطاعت القضاء على العديد من منتجي الزيت الحجري في الولايات المتحدة في السنة المقبلة، وقد يساعد تأثير الاقتصاد الضخم لأسعار النفط المتدنية هذا الجهد من خلال دعم النشاط الاقتصادي والطلب على الطاقة.والسؤال هو: أي واحدة من هذه المجادلات ستبرهن صحتها: السعر المتراوح بين 20 و50 دولاراً للبرميل، استناداً إلى التسعير التنافسي للسوق؟ أم سعر الـ 50 إلى 120 دولاراً الذي يعتمد على استعادة هيمنة أوبك؟هذا السؤال يمكن أن يوجه إليّ بمجرد أن ينخفض سعر برميل النفط إلى 50 دولاراً، ويحافظ على ذلك المستوى لسنة أو ما يقارب السنة.* أناتول كاليتسكي | Anatole Kaletsky