هؤلاء الشباب أيها السادة الذين تقومون بسلخ جلودهم ودعم إحباطهم وحثهم بكل وسيلة على اليأس والتوقف عن ممارسة عملهم الأرقى هم عماد نهضتكم وأساس فخركم وعلو هاماتكم. هؤلاء الشباب الذين اختاروا الطريق الوعرة المؤدية إلى المجد وتركوا حياة الرفاه والكسل، وأخلصوا للكلمة، وعانوا الوحدة هم الذين يسطرون دفاتر مجدكم، وبهم فقط ستتباهون غداً بأنكم شعب متحضر يستحق الحياة. هؤلاء الشباب أيها السادة، والذين تتفنون في كسر أقلامهم والتسلط على أفكارهم الحرة، هم مَن سيبقى لنا حين ترحلون بمقصكم الذي أتقن فن القص والإقصاء.

Ad

هؤلاء الشباب ليسوا مطربين فاشلين تتم دعوتهم وتبذل لهم ما لا يبذل لغيرهم وتسخر لهم طاقات وأموال وأجهزة إعلام ومؤتمرات صحافية، كأنهم نوابغ العصر وأهرام العلم، هؤلاء الشباب ليسوا راقصي فرقة تافهة يتهافت عليهم جمهور أكثر تفاهة تحت رعايتكم، وتفتح لهم ما يغلق في وجوه شبابنا، وكأنهم ارتكبوا خزياً واقترفوا إثماً لأنهم كتبوا رواية هنا وقصة هناك.

عبدالله البصيص في ذكرياته الضالة لم يتجاوز ما تتناقله الصحف من أخبار كل يوم يعرفها البعيد والقريب، عبدالوهاب الحمادي لم يكتب ما يجرمه وهو ينقل حالاً نعرفه ونعيشه وتعيشونه معنا، ولا أظن سعود السنعوسي يكره وطنه أو يحاول الإساءة إليه، بل على العكس حين فاز بجائزة البوكر قال بسرعة أُهديها إلى وطني. لو أن أحدنا فكر في جمع قصاصات الصحف اليومية وأخبارها المتناثرة وجمعها بين دفتي كتاب لمنعها الرقيب. والفهم الوحيد لهذه الحالة هو الخوف من الكتاب، والرعب الذي يثيره ككائن ثقافي لم نعتد على الاحتفاء به إلا مدّاحاً منافقاً، ولا سبيل لمقاومته إلا إعدامه.

فمالذي يحدث؟

ما يجمع هؤلاء الشباب أنهم لم يتجاوزا الأربعين بعد، وهم في أوج عطائهم الأدبي، ويشتغلون على العمل الأكثر وعورة. هل يعلم السيد الرقيب العزلة التي يعيشها الكاتب حتى يكتب رواية تتجاوز الثلاثمئة صفحة؟ في حين لا يحتاج هو إلى أكثر من ثلاثة أسطر يمنع بها الرواية. ويعلم السيد الرقيب أن المنع لا يعني توقف انتشار الكتاب ولا الوقوف بين القارئ وما يقرأ. وربما يعلم أن طرق بيع الكتاب اليوم لا تعتمد على مكتبة أو مركز للبيع، وما كان مجدياً في زمننا الماضي قبل عقد من الآن لا يبدو مجدياً اليوم، وربما على العكس يبدو مضحكاً وهزلياً.

ما هو الهدف من المنع إذاً؟ لاشيء سوى بث شعور الإحباط والانكسار لدى الشباب، وهنا أيضاً يخطئ السيد الرقيب، الذي يبدو أنه لا يفكر إلا بعقلية المقص. ما سيحدث هو المزيد من الإصرار والتمسك أكثر بالكتابة والكتاب كوسيلة وحيدة للتعبير. وربما نحن اليوم نحتفل بكوكبة صغيرة من الشباب الروائيين الجادين والمبدعين، ولكن السيد الرقيب يبشرنا باتساع الدائرة التي ستختار الكتابة لا المقص.

كنت أظن الدول التي تهتم أكثر بمبدعيها تفخر بهم وتمنحهم تفرغاً أدبياً يكفيهم حاجتهم المادية في زمن عربي ننفق فيه من مالنا على طباعة الكتاب، وفي دولة مثل الكويت وأخواتها في الخليج يبدو الأمر ميسراً أكثر لذلك، أما أن نحاربهم لفقرة وجملة أو حتى فكرة مغايرة فهو أمر عصي على الفهم. الرقيب بالنسبة لي هو شرطي الكلام و"عشماوي" الكتب، وحتى نتقدم يجب أن ننهي دوره وهو يعيش دور الخصم والحكم. تستطيع الدولة أن تمنع كتاباً من مناهجها التربوية أو مؤسساتها التعليمية والإعلامية، أما أن تمنع مواطناً من اقتناء الكتاب فهو ليس تسلطاً على الكاتب والكتاب فقط بل هو إعلان عدم أهلية القارئ وإلغاء مسؤوليته واختياره.