لماذا تعارض؟!
سألني مندهشاً: أعرفك منذ 40 عاماً، وأعلم يقيناً أنك لا تنتمي إلى الإخوان المسلمين، فلماذا تعارض النظام الحاكم في مصر الآن؟!ابتسمت وأجبته: دهشتي من سؤالك أكبر من دهشتك التي دفعتك إليه، فلماذا يا صديقي قصرت المعارضة للنظام على الإخوان فقط؟!
عذراً اسمح لي أن أجيبك، لقد اعتقدت أن النظام الحالي يعادي الإخوان فقط، وأن انقلاب يوليو 2013 كان انقلاباً على الإخوان، فأوجدت لهم– في نفسك- مبرراً لمعارضة النظام، نظام يعادي جماعة فمن حق الجماعة أن تعارض النظام هكذا فكرت وفكر الكثيرون مثلك، ولكن الحقيقة– كما سبق أن ذكرتها- أن الانقلاب لم يكن ضد الإخوان، لكنه كان انقلاباً ضد آمال الشعب وأحلامه وطموحاته بعد ثورة يناير في القضاء على الفساد والظلم وعودة السيادة الحقيقية للشعب، فجاء الانقلاب ليقضي على كل ذلك، ويعود بالوضع إلى ما كان قبل يناير 2011، ومن هنا يحق لأي فرد ممن تعلق بآمال ثورة يناير وأحلامها أن يعارض النظام الحالي دفاعاً عن أحلامه وآماله التي اغتصبها النظام، وبالتالي فلا مكان لتعجبك من أنني لست منتميا إلى الإخوان وأعارض النظام في ذات الوقت.صمت صديقي، ثم قال ولماذا تعارض؟دعني أفسر لك ما قلته بوضوح، لقد ارتدى الانقلاب قميص معاداة الإخوان ورفضهم من أجل أن يجمع حوله كل الرافضين لهم، دون النظر إلى ما سيفعله في المستقبل، واستغل قادة الانقلاب "فوبيا" الإخوان التي زرعها الإعلام التابع له من أجل إحكام السيطرة على البلد، وأخذوا يصدرون ما يشاؤون من قرارات وقوانين تحقق لهم القضاء على دور الشعب وحقه، سواء في التعبير عن رأيه والممارسة الديمقراطية، أو في الرقابة والمحاسبة التشريعية، وتولى الرئيس السلطة التنفيذية والتشريعية معاً، وعادت دولة الفرد، وجاء الدستور محصناً للجيش مانعاً مراقبته ومحاسبته، وكذلك رجعت الشرطة إلى سابق عهدها من البطش والظلم، وصدقت نبوءة رئيس القضاة بنجاح الزحف المقدس، وتمّ كل ذلك تحت مظلة من السيطرة الإعلامية الموجهة الوحيدة الفكر، وتم كذلك إلغاء الدعم ورفع الأسعار، وزاد الوضع الاقتصادي سوءاً، وازدادت معاناة المواطن في حياته اليومية ومشاكله الحياتية و... صرخ صديقي: كفى، كفى.للأسف ما زال هناك المزيد والمزيد من الأسباب التي تدفعني– وغيري ممن لا ينتمون إلى الإخوان- للمعارضة، ولكن وإجمالا اسمح لي أن أسألك سؤالاً عكسيا: ما الذي يدفع المواطن– أي مواطن- لتأييد النظام وعدم معارضته؟ بالتأكيد إحساس المواطن بصدق النظام وإخلاصه وعمله على حل مشاكله وتحقيق أحلامه أليس كذلك؟أجاب صديقي: نعم، بكل تأكيد.فإن لم يفعل وتلاعب النظام بمشاعر المواطنين بكلمات رومانسية (نور عيني.. قد الدنيا) وبدون برامج واضحة، وأن يخدع الشعب بوعود وأمانٍ (علاج فيروس سي)، ويفشل في حل المشاكل الحياتية (الغلاء- الكهرباء) والقومية (سد النهضة)، فعذراً بألا يجد المواطن سبباً لتأييده.التزاما بالصدق والصراحة–كما عرفتني- أعترف أن النظام كان رحيماً جداً بالمصريين، فاعتقل الآلاف منهم ولم يقتلهم، وهذه حقيقة يعرفها الجميع، واعترف بها النظام نفسه.وختاماً سامحني يا صديقي فأنا ما زلت مؤمنا بمقولة سارتر "لا أحترم الضحايا الذين يحترمون جلاديهم".