الأديب أسامة حبشي: «حجر الخلفة» يؤسس لكتابةٍ مختلفة
يرى الأديب المصري أسامة حبشي التاريخ لوحة فنية لكل شخص الحق في أن يقرأها أو يكتبها كما يريد غير عابئ بالأسماء المختلفة التي يطلقها النقاد على أعماله الأدبية. ويضيف حبشي في حواره لـ«الجريدة» أنه يتناول التاريخ بشكل مختلف ضارباً المثل بجورج أورويل الذي من الممكن أن تصنف أعماله كتاريخية أو كقراءة للمستقبل... مؤكداً أنه لا يفكر في التجريب مسبقاً ولكن الكتابة هي التي تفرض نفسها والشكل الذي تخرج به. إلى نص الحوار.
تحمل روايتك الأخيرة «حجر الخلفة» خلفية تاريخية. هل تقصدت ذلك؟التاريخ خلفية في «حجر الخلفة» وليس الأساس في بنائها، وذلك ما أفضله عندما ألجأ إلى التاريخ في عمل روائي، فالتاريخ عندي مثل اللوحة عليك أن تقرأها كيفما شئت، ولدينا نماذج رائعة في ذلك أبرزها «سمرقند» لأمين معلوف و»الشمعة والدهاليز» للطاهر وطار، فأنا أحلم بكتابة مناطق معينة فقط في التاريخ مثل الجزائر في التسعينيات أو فترة الأندلس وفترة المماليك. وأعتقد أن المسميات مثل رواية تاريخية أو بوليسية مثلاً يطلقها النقاد أو آخرون وهي لا تعني لي شيئاً، فجورج أورويل كتب «1984» ومن الممكن اعتبارها تاريخية أو رواية تتنبأ بالمستقبل، ورواية «الأبله» كذلك قد يراها البعض تاريخية وقد يصنفها البعض اجتماعية. التصنيف أسوأ ما نعاني منه، وعلى الكاتب أن يكتب وعليهم أن يصنفوا كما شاؤوا في ما بعد إن أرادوا.كيف ترى أهمية وجود مساحة من التجريب في رواياتك؟التجريب ماذا يعني؟ والكاتب ماذا يريد؟ يريد الكاتب أن يتفرد وأن يضع حجراً جديداً في تاريخ الكتابة عموماً. من هنا، يحاول مجرباً دائماً، ويترك لنفسه الخيال الذي هو لب التجريب فعلاً. والكاتب المجدد مجرب قبل أي شيء. والرواية، كما الشعر والمسرح والسينما، أرض خصبة للتجديد دائماً. ولكن ماذا تقدم وكيف تقدم ما تريد؟ ذلك هو الصعب حقاً. فكلنا نتمنى أن نكون مجددين ومجربين، ولكن كم منا ينجح في ذلك؟ الأمر صعب جداً. بالعودة إلى سؤالك، لا أفمر في التجريب مسبقاً ولكن الكتابة هي التي تفرض نفسها والشكل الذي تخرج به إلى القارئ. أحلم بأن أكون مجرباً ومجدداً في مجال الكتابة الروائية.هل تأثرت أعمالك الأدبية بدراستك السينمائية في الخارج؟تأثرت طبعاً، والفيلم أو سيناريو الفيلم هو رواية مكثفة جداً لا وقت فيها للاستطراد، أو التطويل أو زراعة شخصية غير مؤثرة في الحدث. والسينما قريبة جداً من الأدب، بدليل تعاملها مع أعمال نجيب محفوظ وغيره. والدراسة في السينما، خصوصاً في الخارج، تلزمك بقراءة الأدب وتركّز على الأعمال التي تحولت إلى فيلم. أذكر أن فيلم {القتل} المأخوذ عن رواية Clean Break للكاتب ليونيل وايت أثناء الدراسة كان وما زال الفيلم الذي جذبني إلى الأدب. والحقيقة، أن دراسة السيناريو تحديداً أتاحت لي الكثير من التعلم الذي أفادني في الرواية: كيف تقدّم الشخصية وكيف تطورها درامياً وكيف تقدم أو تؤخر بعض الأحداث؟ متى تستعين بـ}الفلاش باك}؟ ذلك كله تعلمته من السينما، وظهر واضحاً لدي عندما حوّلت سيناريو لي إلى رواية {خفة العمى}، روايتي الأولى الصادرة عن دار {الدار} 2009.لماذا لم تعمل بالترجمة مثل بعض الأدباء، خصوصاً أنك تقرأ بأكثر من لغة؟الترجمة عمل يحتاج إلى التفرغ التام. بالنسبة إلي، لم أر أن أوانها قد حان، ربما سيأتي وربما لا... وصراحة، حتى الآن لم أفكر مطلقاً في هذا الأمر. لماذا الاهتمام والرواج منصبان على الرواية فقط اليوم بعيداً عن الشعر؟أعتقد أن السبب ليس في غياب الشعراء ولكن في تجاهل الوسط الثقافي لهم أصلاً وللشعر. كذلك أدى الإعلام المرئي دوراً في هذا التناقض، والصحافة المكتوبة، والجوائز وما شابه. أعتقد أن العالم العربي كله يعاني من هذا الغياب، وذلك ليس موجوداً في أوروبا أو أميركا مثلاً... أذكر أنه قبل الثورة مباشرة، كان الرواج للكتاب الساخر، والآن أين هو؟ المسألة مسألة وقت فحسب، والإبداع ككل سواء شعراً أو قصة قصيرة أو مسرحاً... لا بد من أن يعامل بالقسط نفسه من العدل. ولكن نحن في زمن ضياع العدل أصلا.كيف استطعت أنت وجيلك أن تعيدوا القارئ إلى الرواية؟وقعت الرواية الحديثة المصرية في فخ اليومي والمعاش وكتابة السيرة الذاتية، لذا ابتعد عنها القارئ. والحق هنا يجب أن يقال. سواء اختلفنا أو اتفقنا مع منتجهم الأدبي، يعود الفضل إلى علاء الأسواني وأحمد مراد والجندي وغيرهم، فهم بحق استطاعوا جذب الشباب إلى مجال القراءة، كما فعل باولو كويلو في الغرب. نعم، المنتج لديهم ضعيف أدبياً ولكن ذلك يحمد لهم، والمهم الآن علينا أن نقدم لهؤلاء الشباب ما هو مختلف ونطلب من الجهات مثل وزارة الثقافة والميديا الدعم والمساهمة في وصول المنتج الروائي المختلف إلى هذه القطاعات الجديدة الباحثة عن المعرفة .ما رأيك في اتجاه الجيل الجديد من الروائيين إلى الواقعية السحرية... وهل تتوقع نجاحها أم أنها مجرد موجة وستنتهي سريعاً؟الواقعية السحرية ليست اتجاهاً يجب اتباعه بغرض النجاح مثلا! ولكن العمل يفرض نفسه ولغته، ونحن أصلاً الوريث الوحيد لـ}ألف ليلة وليلة} ولكننا لم نستطع الاستفادة منها بشكل كاف، ولذا لن تنتهي الواقعية السحرية أبداً. والأخيرة ليست اللغة الشعرية فقط ولكنها الحكاية ككل، والمثال الأقرب إلينا ماركيز. ولكن خوان رولفو قدم المختلف والأجمل في كتابة الواقعية السحرية، والمشكلة ليست أنها موضة ستنتهي سريعاً أو تطول قليلاً. المهم هل تخدم العمل أم لا؟هل تعتبر الجوائز مهمة للمبدع كي يواصل عمله؟بالطبع لا، وقد تضر الجوائز بالكاتب، خصوصاً لو جاءت في بداية مسيرته، فالشهرة والاحتفاء قد تعيقان الكاتب مستقبلاً، أسير الجائزة. الجوائز مهمة مادياً فحسب، ولكنها لا تصنع كاتباً ولا تقلل من شأن آخر، وعلى الكاتب ألا يلتفت إليها فإذا جاءت أهلاً بها وإذا لم تأت فسلام عليها إلى حين. الجائزة الحقيقية هي الخلود للعمل نفسه أصلاً... كذلك لدينا مشكلة في الجوائز عموماً، وغالباً ما يصاحبها النقد ويصاب حاصدها بالتجريح، وهذا ما لا أحبه فيها.يمثلك النقد كروائي؟النقد في مصر في أزمة فعلاً، وانتشار النقد الصحافي أضرّ بنا كثيراً. لا يهتم معظم النقاد سوى بالكاتب الشهير مثلاً، ناهيك بالشللية وما شابه، والناقد لدينا يتعامل معنا مثل الكاهن الذي يحق له وحده منح صكوك دخول المعبد الكتابي. كذلك، أضرَّ بنا تخلّف النقد في مصر عن النقد في المغرب العربي مثلاً، فنحن ما زلنا في مرحلة الحداثة ولم نصل بعد إلى مرحلة ما بعد الحداثة في النقد. ولكن وسط هذا لدينا بعض النقاد الذين يهتمون بالعمل الأدبي ولكنهم قلة قليلة جداً وتنقصهم النافذة التي يستطيعون من خلالها تقديم رؤيتهم النقدية سواء في الجرائد أو من خلال دور النشر، أو حتى النشر الحكومي من خلال وزارة الثقافة.