«سايكس بيكو» جديدة
كان الموضوع الرئيسي للقيادات الأوروبية والأميركية ومساعديهم في حلف الناتو المجتمعين في بريطانيا الأسبوع الماضي حول تلك الطاولة البيضاوية، وهم بالمئات، كيف يواجهون "داعش"؟ فهل يقبل عقل أن يكون "داعش" بهذه القوة والأهمية لكي يخصص له اجتماع كهذا وبهذه الضخامة والضجة؟ أليس من الاستغفال أن يوهمونا أن "داعش" يستحق اهتمام العالم، وهو الوليد من مجموعات مرتزقة مريضة وملغمة بكل عناصر المخابرات والخبراء من أتباع هؤلاء المجتمعين الذين تداعوا للقضاء على وليدهم المشاغب؟هل يريد أحد أن يقول لنا إن "داعش" بلغ من القوة أن تستعد له جيوش "الناتو" ودول المنطقة حتى تستطيع القضاء عليه؟ هذا تخريف لا يقبله عقل، فالطبخة اليوم أكبر وأبعد من "داعش"، ولا بد أن نستعد لما يريدون بنا وإلا فإننا أمام "سايكس بيكو" جديدة.
بالبدهيات فقط، كيف يمكن لمجموعات دينية أن تتنادى وتجتمع في سورية والعراق: يبتعد عنها جيش سورية، ويهرب من أمامها جيش العراق بدون قتال، وتهرب منها البيشمركة الكردية، وتستولي على مدن ونفط بدون أي مواجهة حقيقية، ويساهم الغرب الذي تعيد كل وسائل الإعلام في العالم ما تنقله وسائله في تضخيم وتعظيم مجازر "داعش" تماماً كما كان يفعل صدام حين يقتل معارضيه علناً ليرهب الآخرين، وتتزلزل الأرض تحت دول النفط، وتتصارع القوى في العراق، وكأن أحداً يريد لـ"داعش" أن يدخل بغداد، وتتلاطم الحوارات والدوافع حتى تصبح الصورة أكثر إقلاقاً ورعباً لكل دول الجوار، وحين يجد الغرب أن الوقت قد حان، وأن الخوف تصاعد في كل أرجاء الوطن العربي، يتنادى أعضاء "الناتو" للخطوة التالية والتخطيط لتوزيع الوجبة على المشاركين؟ "داعش" يمكن أن يزول باتفاق بين دول المنطقة بما فيها إيران والعراق، فهو، رغم كل المساعدات والسلاح الذي تزوده إسرائيل ومن وراءها به، عبارة عن مجموعة صغيرة إذا قيس بحجم وتسليح أي من جيوش المنطقة. أنا أستطيع أن أجزم أن جيش الكويت لوحده قادر على صدّ وتفتيت "داعش"، ومن يرفعون أعلام "داعش" هنا وهناك هم مجموعة من المغرر بهم، أو هم جزء من لعبة التخويف، أطفال شوارع يزرعهم البعض لبث المزيد من الرعب في نفوس الناس، ومن ثم الحكومات. لكن الحقيقة أن "داعش" عصابة مرتزقة أفرادها انضموا إليه بعقود تحدد رواتبهم ورعاية أهلهم من بعد موتهم، وأشك أن أياً منهم يقوم بذلك من أجل حوريات الجنة، فهذا عصرٌ المال فيه يحرك كل شيء، ومخططو الفتن يعرفون نواحي الضعف عندنا، وكيف يوظفون أدوات الرعب لتخويفنا.نريد طاولة لدول المنطقة شبيهة بطاولة "الناتو" المجتمعين في بريطانيا، والاتفاق على خطة لاجتثاث "داعش" ومواجهة أي خطط استعمارية لتقسيم المنطقة سياسياً أو طائفياً، والإعداد لخطة طويلة الأمد لمواجهة أعمال الإرهاب والتخريب والتعاون لما فيه مصلحة شعوب المنطقة، وإن دول الخليج العربي وإيران والعراق بالتعاون مع مصر يمكنها قلب كل الخطط الاستعمارية وإبعاد شبح التقسيم والتخريب، فخططهم كثيرة وأدواتهم أكثر ولا بد أن نكون أكثر وعياً لما يحاولون وأكثر ثقة بقدراتنا.