«الجنايات»: ارتباك الشخص وتلعثمه بالكلام لا يبرران للشرطة القبض عليه وتفتيشه
المحكمة: توقيع العقاب على بريء يؤذي العدالة وتتأذى منه الجماعة... ولا يجوز أن تبنى إدانة صحيحة على دليل باطل
أكدت محكمة الجنايات، في حكم بارز لها، بعد حكمها ببطلان إجراءات القبض على مواطنين اثنين في محافظة الأحمدي، أن تقدير الأدلة في أي من القضايا الجزائية يخضع لتقدير المحاكم الجزائية وحدها، لأن توقيع العقاب على بريء أمر يؤذي العدالة وتتأذى منه الجماعة، ما يتحتم معه إطلاق يد القاضي الجنائي في تقدير سلامة الدليل وقوته دون قيد، في ما عدا الأحوال المستثناة قانونا.
لفتت المحكمة إلى أن أي قيد على الحرية الشخصية، بوصفها حقا طبيعيا من حقوق الإنسان يستوي في ذلك أن يكون القيد قبضا أو تفتيشا، لا يجوز إلا في حالات التلبس، باعتبارها جرائم مشهودة، أو بإذن من النيابة العامة، أو في إحدى الحالات التي وردت في القانون على سبيل الحصر، والتي ليس من بينها مجرد مشاهدة المتهم في حال عدم اتزان أو في حال غير طبيعية، كما أن الارتباك والتلعثم بالكلام لا يبرران وحدهما حق القبض والتفتيش.وبينت المحكمة أنه نتيجة للإجراءات الباطلة التي اتبعت من رجال الشرطة، فإنه ووفقا للقاعدة في القانون أن كل ما بُني على الباطل فهو باطل، فإن بطلان إجراءات القبض والتفتيش الواقعة على المتهمين الثاني والثالث يستطيل إلى كل دليل مستمد منها، فلا يُعتد من بعد ذلك بتقريري الإدارة العامة للأدلة الجنائية الخاصين بتحليل عينتي بوليهما، لتفرعهما من إجراءات باطلة قانونًا، كما أن الأوراق خلت من أي دليل صحيح يمكن التعويل عليه في إدانة المتهمين الثاني والثالث، ولاسيما أنهما اعتصما بإنكار ما أُسند إليهما من اتهام.براءة وتابعت: وكان من المسلم به أنه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب، بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم وتفتيشهم من دون وجه حق، وأنه لا يجوز أن تُبنى إدانة صحيحة على دليل باطل في القانون، ومن ثم فإن المحكمة تقضي ببراءتهما مما أُسند إليهما من اتهام، عملا بالمادة 172/1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.وقالت المحكمة في حيثيات حكمها: من المقرر أن النص في المادة 52 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية على أنه «لكل شرطي أن يستوقف أي شخص ويطلب منه بيانات عن اسمه وشخصيته إذا كان ذلك لازما للتحريات التي يقوم بها، وللشرطي أن يطلب من الشخص أن يصحبه إلى مركز الشرطة إذا رفض تقديم البيانات المطلوبة عن شخصيته، أو إذا قدّم بيانات غير صحيحة، أو إذا كانت هناك قرائن جدية تدل على أنه ارتكب جناية أو جنحة»، وفي المادة 44 منه على أنه «عند قيام أحد رجال الشرطة بالتحري، إذا وجد أن هناك ضرورة لإجراء تفتيش شخص أو مسكن معيّن، يجب عليه أن يعرض التحريات على المحقق، وللمحقق إذا تأكد من أن الضرورة تقتضي الإذن بالتفتيش أن يأذن له كتابةً في إجرائه» يدل على أن ليس لرجل الشرطة عند حصول مبرر الاستيقاف أن يقوم بالقبض أو بتفتيش شخص من تم استيقافه، ولو قامت قرائن جدية على ارتكابه جناية أو جنحة، وإنما كل ما يبيحه له القانون في هذه الحالة هو أن يصطحب هذا الشخص إلى مركز الشرطة، وإن رأى ضرورة لتفتيشه فعليه أن يستأذن المحقق في إجراء التفتيش. في حين قضت المحكمة بتقرير الامتناع عن عقاب المتهم الأول وأمرت بسحب رخصة قيادته مدة سنة بعد اعترافه أمام النيابة العامة بأن المواد المخدرة المضبوطة في الواقعة تخصه وحده وليس للمتهمين أي علاقة بها. اعتراف صحيحوقالت المحكمة في حيثيات حكمها بشأن إدانتها للمتهم الأول في القضية، إنها تطمئن إلى اعتراف المتهم الأول التفصيلي في تحقيقات النيابة، وترى أنه اعتراف صحيح وسليم ووليد إرادة حرة وواعية، فضلا عن أنه لاحق على إجراءات القبض والتفتيش ومنبتّ الصلة عنها أيا ما كان وجه الرأي فيها من جهتي الصحة والبطلان، ومن ثم فإنها تأخذ به كدليل على إدانته، ويكون قد استقر في عقيدتها – بيقين لا يحوطه أدنى شك – أن المتهم الأول ارتكب جناية حيازة وإحراز مادة مؤثرة عقليًا بقصد التعاطي وجنحة قيادة مركبة آلية تحت تأثير المؤثرات العقلية، الأمر الذي كان يمكن معه معاقبته عنهما وفقا لمواد الاتهام.وقالت المحكمة إنه في مجال التفريد القضائي للجزاء الجنائي، فإن المادة 81 من قانون الجزاء تنص على أنه «إذا اتُهم شخص بجريمة تستوجب الحكم عليه بالحبس، جاز للمحكمة – إذا رأت من أخلاقه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها جريمته أو تفاهة هذه الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى الإجرام – أن تقرر الامتناع عن النطق بالعقاب، وتكلف المتهم تقديم تعهّد – بكفالة شخصية أو عينية أو بغير كفالة – يلتزم فيه مراعاة شروط معينة والمحافظة على حسن السلوك في المدة التي تحددها، على ألا تجاوز سنتين، وللمحكمة أن تقرر وضعه خلال هذه المدة تحت رقابة شخص تعينه، ويجوز لها أن تغيّر هذا الشخص بناء على طلبه، وبعد إخطار المتهم بذلك، وإذا انقضت المدة التي حددتها المحكمة دون أن يخل المتهم بشروط التعهد، اعتُبرت إجراءات المحاكمة السابقة كأن لم تكن، أما إذا أخل المتهم بشروط التعهد، فإن المحكمة تأمر – بناء على طلب سلطة الاتهام أو الشخص المتولي رقابته أو المجني عليه – بالمضي في المحاكمة، وتقضي عليه بالعقوبة عن الجريمة التي ارتكبها ومصادرة الكفالة العينية إن وجدت».وقائع القضيةوكانت النيابة العامة قد وجهت إلى المتهم الأول تهم حيازة وإحراز مادتين مؤثرتين بقصد التعاطي، وأنه قاد مركبته تحت تأثير المؤثرات العقلية، في حين وجهت إلى المتهمين الثاني والثالث الذين قضت ببراءتهما تهم إحرازهما مؤثرا عقليا بقصد التعاطي.وتتلخص وقائع القضية في ما شهد قائد دورية الشرطة في محافظة الأحمدي في تحقيقات النيابة بأنه أثناء تجواله الأمني في منطقة جنوب الصباحية شاهد مركبة متوقفة فوق الرصيف في إحدى الساحات الترابية وبها المتهمون، وعندما طلب منهم إثباتاتهم الشخصية تبين له أنهم بحال غير طبيعية، فأمرهم بالركوب في الدورية، وعندها ألقى المتهم الأول على الأرض كيسًا من النايلون الشفاف به حبيبات بلورية بيضاء اللون لمادة مشتبه بها، فالتقطه وفتش المتهم الأول الذي عثر بحوزته على كيس آخر مماثل، بالإضافة إلى لول ورقي من عملة نقدية به آثار لمادة مشتبه بها وجزء من أنبوب بلاستيكي شفاف، وأضاف أنه فتش كذلك المتهمين الثاني والثالث، لكنه لم يعثر بحوزتهما على شيء، وبمواجهة المتهمين بالمضبوطات أقروا بأنها تخص المتهم الأول وحده بقصد التعاطي، فتمت إحالتهم إلى جهة الاختصاص.