إذا نجحت تجربة تونس، والواضح أنها ستنجح، فإنها ستكون مثلاً يجب أن يُحتذى في كل الدول العربية، التي ضربها زلزال ما سمي بـ«الربيع العربي»، وحقيقة إن الإعلام الغربي هو من أطلق هذه التسمية أو هذا المصطلح على الانتفاضات الشعبية التي بدأت في إحدى بلدات الجنوب التونسي، والتي انتقلت من هناك، بعد إسقاط حكم زين العابدين بن علي، إلى مصر ودول عربية أخرى، وحيث تحولت رداً على عنف النظام، كما تم في سورية، إلى عملٍ مسلح «أنْجب» كل هذه التنظيمات والتشكيلات العسكرية التي بات من الصعب حصرها ومعرفة أسمائها على وجه الدقة.

Ad

وربما ليس متأخراً، حتى بعد أربعة أعوام من حادث تونس الذي فجَّر حقول الألغام هذه في العديد من الدول العربية، أن نشير إلى أن هذه التسمية كانت قد أُطلقت، ومن قبل الإعلام الغربي والدوائر الاستخبارية الغربية، على انتفاضة «تشيكوسلوفاكيا» ضد ما اعتبره التشيكوسلوفاكيون احتلالاً سوفياتياً، وكان ذلك في مارس 1968، أي قبل انهيار المنظومة الاشتراكية وتشظيها بأكثر من عشرين عاماً.

وحقيقة، قبل الذهاب بعيداً في المراهنة على أن تجربة تونس الناجحة هذه حتى الآن ستصل عدواها إلى بعض الدول العربية التي غشاها زمهرير الربيع العربي، لابد من الإشارة إلى أن هناك معطيات في هذا البلد الجميل جعلته يتجنب ما يحصل الآن في اليمن وسورية وليبيا... وفي العراق ولبنان، إن أردتم وجعلته يؤسس لهذه التجربة، حيث تمكن «الإسلامويون» من الوقوف إلى جانب العلمانيين والليبراليين على أرض واحدة.

أول هذه المعطيات أن النسيج الاجتماعي في تونس من نمط واحد بوجه عام، إذ لا وجود لأي طوائف أو مذاهب غير «الطائفة» السنية على مذهب مالك بن أنس، ووجود «الأمازيغ» لا يشبه وجودهم لا في المغرب أو الجزائر، فالعرب يشكلون الأغلبية، وهذه النزعة المذهبية التي تضرب اليمن وسورية والعراق ولبنان لا وجود لها في بلد هو الأكثر تأثراً من دول المنطقة بـ»الليبرالية» الغربية.

هذه مسألة، أما المسألة الأخرى فهي أن حكم «المجاهد الأكبر» الحبيب بورقيبة قد نجح فعلاً في إحداث تحولات اجتماعية هائلة في تونس، أهمها على الإطلاق إعطاء المرأة حقوقاً متقدمة حتى على ما هي عليه في بعض الدول الأوروبية، إضافة إلى حقوق الطبقة العاملة، ما شكل شيئاً اسمه، حسب تعبير الباجي قائد السبسي، «العائلة البورقيبية»، وجعل هناك توازناً حال دون انفراد «الإسلامويين» بالبلاد بعد الفوز الساحق لحزب النهضة في انتخابات 23 أكتوبر 2011.

وهذه حقيقة، فالشيخ راشد الغنوشي، بحكم أنه بدأ حياته السياسية ناصرياً ثم مسؤول فرع حزب الاتحاد الاشتراكي، بزعامة السياسي السوري المعروف جمال الأتاسي، يختلف كثيراً عن قادة الإخوان المسلمين في مصر وفي العديد من الدول العربية والإسلامية، وهنا فإن المعروف أنه وجه انتقادات حادة إلى «الإخوان» المصريين بعد فوزهم في أول انتخابات رئاسية بعد إسقاط نظام حسني مبارك، قال فيها: «النهضة لن تسير على خطهم... وإننا لن نكرر سيناريو المحروسة»... وهكذا وبالنتيجة فإنه يمكن القول إنه من غير المتوقع ولا المحتمل أن تتكرر التجربة التونسية على المدى المنظور في أي من الدول العربية التي غشاها ما يسمى «الربيع العربي».