... هل هم يقرأون؟!
المتأمل للساحة الكويتية وحراكها السياسي يلحظ حالة حادة من الاصطفافات الواضحة بين السياسيين والمهتمين بالشأن العام، وحتى بين الخبراء في معظم المجالات الذين يستوجب منهم أن يعطوا رأياً فنياً محايداً. ما تفتقده الكويت أو الغائب عنها تماماً هم الوسطيون أو المستقلون الذين يمكنهم أن يلعبوا دوراً في تخفيف حدة الاستنفار والمواجهات بين الأطراف المتنازعة، والوصول إلى الحلول الوسط التي تعتبر ثمرة العمل السياسي إن لم تكن ضارة بالمصلحة الوطنية.الكل في البلد أصبح محسوباً على طرف في النزاع السياسي والاقتصادي والرياضي... إلخ، فتقارير اقتصادية تكتب لخدمة طرف، ورأي فني يفبرك لخدمة طرف آخر وهلم جرا، وغير المحسوب على أي طرف، ويريد أن يخدم البلد برأي مستقل تفتح عليه النار من «الكارتيلات» الضخمة بنفوذها وأموالها، وتتوالى عليه سهام التشكيك والطعن فتسحقه وتحيده حتى يستسلم وينضم لأحد المتصارعين، وحينها يقيم دوره ووظيفته المطلوبة منه حتى يقدر حجم النعم التي يمكن أن تدر عليه والمناصب التي يستحقها، وبخلاف ذلك ينزوي ويطويه النسيان، وبسبب ذلك أصبح البلد حلبة مصارعة بلا هدف سوى الأهداف الذاتية التي تريدها الأطراف المتنازعة!
وما يزيد المشهد حدة وصراعاً في الكويت أن مجلس الأمة الذي يعتبر أهم ندوة للنشاط السياسي فيها، في ظل غياب التنظيمات السياسية والأحزاب، تلاشت فيه الكتل السياسية الواضحة والشخصيات المستقلة التي كانت تلعب أدواراً مهمة في السابق مثل النواب السابقين حمد الجوعان ومحمد المرشد وصالح الفضالة، وأصبح المجلس كله يمثل اصطفافاً محدداً وطرفاً واحداً في الصراع داخل الديرة، وهو ما يتطلب مراجعة النواب مواقفهم وأداءهم في الفترة المقبلة لمصلحة البلد.*** أهم مشكلة تواجه أي مسؤول عن إدارة شؤون بلد ما هي انفصاله عن واقع بلده وتوجهات الرأي العام فيه، وتقوقعه بين جدران مكتبه ومحاصرة مستشاريه وكبار موظفيه له بقراءاتهم لأحوال الدولة واستشاراتهم له بشأنها، لذلك يسأل الكثير من السياسيين والإعلاميين عندما يزورون بلداً: «هل ذلك الزعيم أو رئيس الحكومة أو الوزير يقرأ؟»، وهي بمعنى هل يطلع على الإعلام بكل أنواعه ويتفاعل معه.يروي لي زميل سبقنا في العمل الصحافي أنه في أحد الأيام تلقى الساعة الثالثة من بعد الظهر اتصالاً من قصر الشعب من مسؤول ديوان سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله الصباح، رحمه الله، حينما كان ولياً للعهد، ورئيساً لمجلس الوزراء، يطلبه للقاء لمناقشة موضوع طرحه في مقالة، وذلك قبل أن يذهب الشيخ سعد لاجتماع مسائي مع لجنة وزارية.الكاتب والمعارض المصري المخضرم عبدالله السناوي يقول إنه مرتاح لأن الرئيس عبدالفتاح السيسي قارئ ومتابع للصحافة المصرية، وأنه كلما التقى مع الصحافيين يتحدث بلسان شخص مطلع، وهو أمر مهم لمن يريد أن يدير بلداً.ومؤخراً في الكويت أصبح الأمر مختلفاً، فمنذ سنوات تم استبعاد الصحف عن الوفود الرسمية، ولقاءات المسؤولين مع وسائل الإعلام في أضيق الحدود، وكذلك تفاعلهم مع ما ينشر، وهو أمر بلاشك سلبي ولا يخدم البلد، أما الحديث عن أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكنها أن تأخذ مكانة الصحف فهو هراء لم يحدث في الدول نفسها التي اخترعت تلك الوسائط، لأن الكلام والنشر فيها ثرثرة بلا ضوابط ولا معايير مهنية.