ما الذي دفع الجمهور في موسم عيد الفطر السينمائي في مصر إلى تفضيل الأفلام التي تبتعد عن العشوائيات وتبحث في قضايا جادة؟ هل هو تبدل في المزاج أم فشل أفلام العشوائيات؟ وهل قلب المعادلة رأساً على عقب في هذا الموسم ستنسحب على المواسم المقبلة أم هي حالة فرضها نجاح أفلام وفشل أخرى؟

Ad

فوجئ متابعو السينما المصرية بإقبال الجمهور، بشكل غير مسبوق، على  أفلام تحمل فكرة جديدة مثل {الحرب العالمية الثالثة}، أو كوميدية مثل {صنع في مصر}، أو مبهرة مثل {الفيل الأزرق}. أما {عنتر وبيسة}، الوحيد الذي صنفه البعض ضمن سينما {العشوائيات}، فانصرف عنه الجمهور وجاءت إيراداته ضعيفة، ورفع من بعض دور العرض، بعد أقل من شهر من بداية عرضه، مع استمرار عرض باقي الأعمال المنافسة.

تقييم واختيار

عبدالجليل حسن المستشار الإعلامي لـ {الشركة العربية للإنتاج السينمائي والتوزيع}، يعزو هذه الظاهرة إلى أن الجمهور لم يرض عن العمل ككل، ورآه فاشلاً من وجهة نظره، {يقيّم رواد السينما الأعمال من وجهة نظرهم، رغم عدم درايتهم بالتفاصيل السينمائية الفنية الدقيقة فإن حكمهم يكون نافذاً}.

يضيف: {رغم الإيرادات الضعيفة لـ {عنتر وبيسة} فإنه لم يخسر مادياً لأن تكاليف إنتاجه لم تكن باهظة}، مشيراً إلى أن ثمة أعمالا تحمل المضمون نفسه والخلطة التجارية نفسها، اعتبرها الجمهور ناجحة وأقبل عليها رغم ضعفها الفني والإنتاجي، مؤكداً أن جمهور السينما يفضل الفيلم الذي يعبّر عن وجهة نظره حتى لو كان فيلم عشوائيات، ولافتاً إلى أن رواد السينما أصبحوا أكثر قدرة على اختيار الأفضل.

بدوره يرى المخرج مجدي أحمد علي، رئيس المركز القومي للسينما الأسبق، أن ما حدث في موسم عيد الفطر ليس مؤشراً، فكل ما هنالك أن أسماء الفنانين المتنافسين في هذا الموسم حسمت الكفة، يقول: {أحمد حلمي وكريم عبدالعزيز وياسمين عبدالعزيز والثلاثي غلبوا أبطال عنتر وبيسة، محمد لطفي وأمينة وهشام إسماعيل}، موضحاً أن الحبكة التجارية لـ}عنتر وبيسة} لم تكن على المستوى المطلوب، لأن بعض المنتجين يعتبر أن أي مغنية وأي راقصة وأي {بلطجي} من الممكن أن يحسموا المعركة لصالحهم.

يضيف: {من الصعب أن يتغير ذوق الجمهور بهذه السرعة، ويستحيل أن يهجر الأفلام التي تصنف بـ {العشوائيات}،  فالوقت ما زال باكراً  على ذلك، وقد يحتاج تغيير مزاج الجمهور إلى سنوات}، موضحاً أن الترويج للفيلم لم يكن بالشكل الذي يجعل الجمهور يقبل عليه، علاوة على أنه من المستحيل أن يدخل الجمهور دور العرض لمجرد أن الفيلم يناقش قضايا العشوائيات بل يتم إغراؤه بأمور عدة.

تحديد المعنى

ترفض الناقدة السينمائية ماجدة موريس مصطلح أفلام العشوائيات طالبة أن يتم تحديد معناه أولاً، تتساءل: {هل أفلام العشوائيات هي التي تناقش قضايا المناطق العشوائية في مصر، أم الأفلام المصنوعة بشكل عشوائي؟} تضيف أن ثمة أفلاماً ناقشت حياة العشوائيات وكانت رائعة مثل: {الفرح} لسامح عبدالعزيز، {دم الغزال} لمحمد ياسين، {حين ميسرة} لخالد يوسف، {ساعة ونص} لوائل إحسان، وغيرها من أعمال جيدة. {ليست العبرة في المنطقة أو الحي الذي يدور فيه الفيلم، بل بالطريقة المصنوع بها، وليست الأعمال كافة التي ناقشت قضايا العشوائيات رديئة}.

تشير موريس إلى إمكان تغير مقومات موسم عيد الفطر ورغباته، وتحوّل اهتمام الجمهور من الأفلام التجارية البحتة إلى الأعمال التي تحمل فكرة جديدة أو تناقش قضايا مختلفة، مطالبة بإجراء إحصاءات رسمية لرصد اهتمامات رواد السينما، ومعرفة ما إذا كانت توليفة {الراقصة والمطرب الشعبي والأسلحة البيضاء} انتهت صلاحيتها وأصبحت غير جاذبة للجمهور، معتبرة أن ما حدث في أفلام عيد الفطر بمثابة تغير كبير عما كان يحدث في الأعوام الماضية.

تتابع أن فيلم {الحرب العالمية الثالثة} استعان بالمغنية الشعبية بوسي، على غرار أفلام العشوائيات التي يقدمها السبكي، لكن تم توظيفها بشكل جيد، {كنا نشعر في الأعمال السابقة أنها تقدم {نمرة} في حفلة أو في كباريه، لكن استغلالها الجيد وتوظيفها الدرامي جعلاها مهمة في السيناريو، ودورها غير مبتذل أو مقحم على العمل ككل}.

مؤشرات معبرة

يتمنى الناقد والسيناريست سمير الجمل أن تكون مؤشرات شباك تذاكر عيد الفطر معبرة فعلاً عن انصراف الجمهور عن هذه النوعية، وأن يكون المنتجون اكتشفوا عدم جدوى هذه الأعمال، بدليل أنه عرض خلال هذا الموسم خمسة أفلام، أربعة منها جادة وهادفة وتحمل مضموناً، أما الخامس فيعبر عن شريحة العشوائيات بالخلطة التجارية المعروفة، رغم أنه يمكن مناقشة قضايا العشوائيات، لكن في فيلم محترم وطرح رؤية لحل أزمات هذا المجتمع.

يضيف: {ثبت كذب مقولة {الجمهور عايز كده}. يقصد الجمهور العمل الجيد، على سبيل المثال، القصائد التي غنتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم  رددها الجاهل قبل المثقف والأمي قبل المتعلم، فلو استجاب فنانو الماضي لهذه المقولة لما رأينا إبداعات الخمسينيات والستينيات، خصوصاً أنه في تلك الفترة كان الشعب أمياً، في غالبيته، لا يقرأ ولا يكتب، وكان يتخذ من هذا الفن طريقاً لنهضته وتطوره وهذا دور الفن}.

مرفق صورة رقم: