خبراء الصرف من "جيب" الحكومة ينتمون إلى طائفة منتشرة في كل مكان، تأثيرهم رهيب على أصحاب الدخول المحدودة، ومدمر لكل نظريات علم الاقتصاد ومؤسسات الرشد الإنفاقي، يمتلكون حججاً ثقيلة لا يمكن صدها بلغة الأرقام، أحدهم لديه حجة تخرس لسان آدم سميث بجلالة قدره يقول فيها والسيجارة مستقرة في الجانب الأيمن من شفته السفلية "لنأخذ الموجود قبل أن يأخذه الشحاذون"، والقصد لنأخذ الزيادات والمنح قبل أن توزعها حكومتنا على الدول الفقيرة، وإذا رد عليه أحد بأن سعر برميل النفط منخفض، نقل السيجارة من الجانب الأيمن إلى الأيسر ورد: "لم نستفد منه وهو فوق المئة أفلا نستفيد منه قبل زواله؟".
طائفة خبراء الصرف و"الحلب" لم يظهروا من فراغ، لكن سياسة التبذير والمجاملات وغياب النتائج الملموسة على أرض الواقع جعلت الناس بفطرتهم يكتشفون أنهم يعيشون في دولة يقال عنها نفطية وغنية، ولكنهم لم يأخذوا من الغنى غير الصيت والحسد الخارجي والمنّة الداخلية "ماكلين شاربين ويعطونكم تموين"، وإن من يأخذ ويغرف إما أنه غير مستحق أو أنه حرامي!!لقد قال "مبلطو" الأوضاع الحالية إن مجالس الأمة السابقة لم تبرع سوى في حلب ميزانية الدولة، وأقول يا لخيبة بعضكم، من الذي ارتعش كل مرة من الأقلية النيابية "الحلابة" وفتح لها "كيس المال العام" أليست الحكومة؟ ومن الذي ترك الساحة خالية من الحجج والأرقام، ولم يستخدم أدواته الإعلامية والمؤسساتية في تقديم الرأي الثاني لسياسات التقشف وتبيان مخاطر الهدر المالي؟ أليست الحكومة؟ ومن الذي تجمّد اليوم عاجزاً عن فعل شيء إيجابي وسط بيئة مثالية لا حسيب فيها ولا رقيب؟ أليست الحكومة؟الناس يفهمون ويحسون بما يجري من حولهم، ولولا تقديسهم للصراعات على اختلافها لما رأيناهم سوى في ساحة الإرادة، وإلا هل يعقل أن تتنازل الحكومة على اختصاصات وزارة الأشغال وتسلمها للديوان الأميري كي ينهض بمشروع فقدت الوزارة القدرة على تنفيذه، ويمر الأمر هكذا مرور الكرام؟وإن من يزرع الشوك وبؤر التوتر القادمة هو من يبالغ في التضييق على أرزاق الناس ومعيشتهم ويلاحقهم في بطاقتهم التموينية، ويغض الطرف عن المتجاوزين على المال العام، وإن من يزرع الريح وغضبة البسطاء هو من يتعمد تعميق الهوة بين من يملك وبين من لا يملك، بين من يرفض أن يبدأ بنفسه ليكون هو القدوة وبين من يعاقب لأنه أخطأ ونفذ القانون.في الختام نحن أمام ثلاثة خيارات مُرة: إما السير خلف الحكومة وتصريحات محمد العبدالله ومصيرنا هو واقعنا الحالي، أو السير خلف جاسم السعدون ومصيرنا مستشفى الأعصاب، أو أخيراً الانضمام إلى طائفة خبراء الصرف، وقد نجني معهم زيادة هنا أو منحة هناك، ولو أردتم هناك خيار رابع لكنه غير قابل للتطبيق هو أن نكون دولة دستور وقانون فيها حكومة شابة تملك الرؤية ومفاتيح المستقبل وبرلمانا يعكس صورة شعب مسكون برغبة التفوق وتحدي الصعاب.
مقالات
الأغلبية الصامتة: سيجارة على جنب
12-02-2015