في وقت يؤكد القضاء الدستوري اختصاص القضاء في الرقابة على القرارات التي تصدرها الحكومة في ما يخص مراسيم حل مجلس الأمة، والدعوة إلى انتخابات المجلس، والتي انتهت فيها إلى الغائها وبطلان ما ترتب عليها من إجراءات، كبطلان نتائج انتخابات مجلس فبراير ٢٠١٢، وبطلان عضوية من فاز في تلك العملية الانتخابية، جاء قضاء محكمة التمييز المدني ليعدل عن ذلك التوجه للرقابة القضائية على أعمال الإدارة، وليعيد لنظرية أعمال السيادة الحياة مجددا، بعد أن تمكن القضاء الدستوري والإداري من الابتعاد عنها تدريجيا، تطورا لمسلك القضاء، وتماشيا مع توجه القضاء المقارن عنها بهجر تلك النظرية.
والقبول اليوم بنظرية أعمال السيادة كما قبلته محكمة التمييز أخيرا لتحصين الحكومة من المساءلة القانونية عن أخطائها، والتي أدت الى بطلان مجلس فبراير ٢٠١٢ ومجلس ديسمبر ٢٠١٢ واعتماده كمنهج جديد يدعونا الى تساؤل منطقي، وهو هل سيبقى القضاء الدستوري على منهجه الذي اعتمده في بطلان مجلس فبراير ٢٠١٢ بحكمه الصادر في يونيو ٢٠١٢، والذي اعتمد عليه أيضا في الحكم الصادر ببطلان مجلس ديسمبر ٢٠١٢، والصادر في يونيو ٢٠١٣ وأحكامه اللاحقة التي حصنت فيه هذا المجلس مرتين في الطعن على الانتخابات العامة أو التكميلية، أم سيتمسك القضاء الدستوري على نهجه بهجر نظرية أعمال السيادة وبرفضه دفوع عدم الاختصاص الولائي التي انتهى إليها قضاء محكمة التمييز الأخير.والقبول ثانيا في حكم محكمة التمييز بعدم إمكان مساءلة الحكومة عن أخطائها القانونية التي تترتب على القرارات السياسية التي تصدرها بحل البرلمان أو الدعوة إلى الانتخاب بذريعة القبول بمبدأ عدم اختصاص القضاء بنظر أعمال السيادة هو أمر سيشجع الحكومة على إصدار العديد من القرارات السياسية الخاطئة، وسيدفع ثمن تلك الأخطاء الناخبون ومن تكبدوا مصاريف العملية الانتخابية، بل ومن أشرفوا عليها ومن تحملوا مشقة العمل في حينها.والقبول ثالثا بحكم محكمة التمييز يدعونا أيضا الى القبول بفكرة عدم محاسبة الحكومة عن أخطائها الناتجة عن كل القرارات الإدارية ذات الطبيعة السياسية، لأنه سيترك لكل قضاء أن يضعها في صندوق أعمال السيادة ويغلق على وقائعها، ولن يسمح عملا بتناول تلك القضية مجددا بصدور ذلك المبدأ، رغم أنها كنظرية لا تعتمد صورا محددة لأعمال الحكومة التي تصدرها بصفتها سلطة حكم لا سلطة إدارة، ومع الأسف يتم التمسك بها من قبل الحكومة أمام القضاء كلما ضاقت بها السبل والذرائع!قبلنا بحكم المحكمة الدستورية ببطلان المجلس المبطل الأول، لأنه تقدم يحسب للقضاء الكويتي قبل الدستوري بأن هجر نظرية أعمال السيادة وبسط رقابته على المراسيم التي تصدرها الحكومة، ولو كانت بصورة حل أو دعوة للانتخابات، وقبلنا بحكم المحكمة الدستورية ببطلان المجلس الثاني، لأنه حسم أمر يفوق للأمر الذي تبناه في حكمه السابق بالرقابة على مراسيم الحل والدعوة، وهي رقابته على مراسيم الضرورة التي تنفرد السلطة التنفيذية بإصدارها ممثلة بسمو الأمير والوزراء، بينما أرى - مجتهدا - أن الحكم الصادر من محكمة التمييز الأخير هو بمنزلة عدول عن المنهجين اللذين سلكتهما المحكمة الدستورية في حكميهما ببطلان المجلسين المبطلين الأول والثاني في ما يخص رقابة القضاء على القرارات والمراسيم التي تصدرها الحكومة بصفتها سلطة حكم لا سلطة إدارة، ومثل هذا العدول سيسمح للحكومة بارتكاب المزيد من الأخطاء الإدارية الجسيمة بذريعة أنها سياسية، من دون أن تجد من يحاسبها على ذلك.
مقالات
مرافعة: مَن يحاسب الحكومة على أخطائها؟!
14-04-2015