لاشك نحن المسلمين أكثر المتضررين من الأعمال الإرهابية، لأنها في البداية تتعرض لأرواح الأبرياء أينما ضرب هذا الإرهاب، وتمسّ أيضاً سمعتنا وثقافتنا ومصالحنا حول العالم، وتنتقص بالتأكيد من إنسانيتنا في هذا الزمن الذي تحوّل العالم فيه إلى قرية صغيرة، وفي النهاية تضعنا -عرباً ومسلمين- موضع المطارَدين حول العالم، في كل مكان نحلّ فيه، أو نتواصل معه.

Ad

الأحداث الإرهابية التي شهدتها فرنسا وبلجيكا أخيراً، وقبلها بريطانيا وعدة دول أوروبية، مدانة بشدة، ويجب أن تُواجَه بكل السبل الأمنية والقانونية المتاحة، لكن الإدانة المستمرة من قبل الأوروبيين للشرق أو للعالم العربي عما حدث، يجب ألا تكون في مسار واحد باتجاه العالم العربي والإسلامي فقط، فالحقائق تقول إن الأوروبيين، هم أول من عبثوا بالشرق وفتحوا صندوق "باندورا" الأصولية الذي أقفلته موجة الحداثة العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين، عبر ممارساتهم السياسية والعسكرية، إلى جانب أصدقائهم وحلفائهم من الأنظمة العربية.

فبريطانيا العظمى، هي من زرعت الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي ورعته وحاربت إلى جانبه ضد العرب أصحاب الأرض، ومأساة فلسطين هي الأيقونة التي تغذي "سببية" ومبررات الجهاد، وتجعل الشباب العربي والمسلم في وطنه وفي المهجر يُستَفز ويتطرَّف، فعندما يرى الشباب المسلم الآلاف يقتلون وينتزعون من أرضهم، لينتقل أي يهودي من أي مكان في العالم إلى فلسطين ويستوطنها، ترى في المقابل أحفاد المهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا مازالوا يسمون جالية عربية أو إسلامية ويهدَّدون بتعديل اتفاقية

"شنغن" لمراقبتهم عبر حدود أوروبا والحدّ من تحركاتهم.

كما أن لندن هي راعية كل الحركات الإسلامية، سواء التي قاتلت في الجزيرة العربية مطلع القرن الماضي، أو التي أنشئت لقتال الاتحاد السوفياتي في أفغانستان لاستنزافه وإسقاطه، وهو ما حدث بالفعل، وكان نصراً عظيماً لأميركا وبريطانيا وأوروبا الغربية، ونتيجته إنهاء التهديد الكبير بالنسبة إليها، وحفظ تكاليف هائلة، كانت تصرف إبان الحرب الباردة لضمان سلامة أوروبا وشعوبها.

أما فرنسا "الوديعة"، فإنها أول من أدخل سلاح الدمار الشامل إلى العالم العربي، عندما أبرمت مع تل أبيب عام 1957 اتفاقية سرية لإنشاء مفاعل ديمونة في صحراء النقب، وبواسطته تمكنت إسرائيل من صنع سلاحها النووي الذي كانت له تداعيات هائلة على إقليمنا، وزاد من البطش والرعونة الإسرائيليين في المنطقة بدعم من واشنطن، ما صنع للمحتل فائض قوته النووي، والذي أسسته له باريس نفسها التي كانت لها تجارب مأساوية سابقة ولاحقة في الشام والجزائر.

وللجيش "الأوروبي" الهولندي وصمة عار تاريخية، متمثلة بتخاذله في مذبحة سبرنيتشا في البوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي، وأدت إلى مقتل 8 آلاف بوسني مسلم، رغم وجود الجيش الهولندي المكلف أممياً حمايتهم على بعد مئات الأمتار فقط من المذبحة، وكان الهولنديون يتمتعون بمتابعة أحداث تلك المذبحة على أيدي الصرب كأنها مسرحية تراجيدية مسلية، دون أن يحركوا ساكناً.

تلك الوقائع هي التاريخ الذي تصنع تفاعلاته الحاضر، والذي تشوبه أحداث الإرهاب المنتج من الأصولية الإسلامية، والناتج الذي نرفضه، ونودّ أن نواجهه جميعاً ومعنا أوروبا، كأحد الأسباب الرئيسية له، دون أن يهدد بعضنا بعضاً بالمسؤولية أو يبرئ الأوروبيون أنفسهم من خلال تصريحات استفزازية، وعلى سبيل المثال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، فأوروبا مسؤولة عما يحدث من إرهاب داخل أراضيها وخارجها، وعليها أن تتعاون لوقف مآسي سورية وفلسطين ومشاكل المهاجرين على أراضيها، حتى يُحل الجزء الأعظم من مشكلة الإرهاب التي نعيشها اليوم.