فترة غيابي الطويلة عن الكويت تضعني في تغريب وبعد عن بعض الأحداث التي حصلت فيها، فمن الصعب متابعة وملاحقة كل الأخبار ومجرياتها على المدى الطويل، لكن ما لفت نظري في شهر نوفمبر الماضي ثلاثة مواضيع كتبها زملائي في حقل الكتابة، وموضوع آخر سمعته في تعليق من محلل أخباري في التلفزيون المصري، ثلاثة مواضيع مختلفة في طرحها وتوجهها لكنها كلها تشير إلى التغيرات الآتية والحاصلة بالفعل في الكويت والمجتمع الخليجي.

Ad

الموضوع الأول هو ما طرحته الدكتورة عالية شعيب عن ضعف مستوى الروايات الصادرة عن دور النشر لكتاب شباب يطرحون كتابات في منتهى الضحالة الفكرية وضعف مستوى اللغة ورداءة التعبير السردي، ومع هذا أجازتها الرقابة الكويتية وسمحت بعرضها في معرض الكتاب، وعرضت عالية مقتطفات من هذه الكتابات التي بصراحة تعتبر إساءة لمهنة الكتابة بشكل عام ولا تنتمي إلى سمو الكلمة ورفعتها، لكن العيب يقع على كاهل الرقابة التي أجازتها وسمحت بتمريرها الذي هو بحد ذاته كتابة ساقطة وسيتجاهلها الزمن، لكن الخوف من أنها قد تشجع على إنشاء وتربية أجيال تستسهل هذا النمط من الإسفاف في ضعف التفكير والتعبير الهابط في كتابات مسلوقة على السريع مثل زمنها ذي الوجبات السريعة، واكتشفت  أنني بت بعيدة عن التطور اللغوي عند هؤلاء، فمثلاً كلمة " تخرفن" التي وردت في المقتطع لم أفهمها وتصورت أنها مشتقة من الخرف أو الخرافة، لكن عندما سألت ابنتي قالت إنها مشتقة من الخروف، ومنهم نستفيد.

الموضوع الثاني هو ما طرحته باسمة العنزي في مقال لها تتساءل فيه عن مؤتمر القراءة الذي تكفل بمصروفاته المجلس الوطني للثقافة والآداب، والذي تقدمت بطرحه محامية شابة من خارج الوسط الثقافي وهي مؤسسة لجماعة ملتقى حروف، وأثنت باسمة على تشجيع مثل هذي الملتقيات إن كانت أهدافها بعيدة عن توجهات الفكر الإخواني الذي بدأ يدخل من باب تشجيع كتابات الشباب، وعندما بحثت في غوغل عن معلومات عن جماعة حروف لم أجد أي معلومة عنها أو عن مُنشئتها.

الغريب في هذا الموضوع هو تكفل المجلس الوطني بمصروفات المؤتمر، وهي مبلغ لا يستهان به، وأول مرة أسمع بمثله، والتساؤل هو هل هذا الدعم مطروح لكل صاحب مشروع ثقافي، أقصد هل أي كاتب في الوسط الثقافي يُدعم بمثل هذا المبلغ لو تقدم بمشروعه إلى المجلس الوطني، سواء كان لإقامة مؤتمر قراءة أو أي مسمى آخر؟

الموضوع الثالث هو التعليق الذي نُوقش في التلفزيون المصري عن مبادرة الصلح التي طرحها خادم الحرمين الملك عبدالله ما بين مصر وقطر، وورد في التحليل على لسان كاتب قطري نسيت اسمه أن "هناك جيلاً قطرياً ولد وتربى على فكرة الريادة القطرية التي أصبحت عليها الآن، والقبول بالمبادرة يعني عودة قطر إلى زمن الثمانينيات وأوائل التسعينيات وهذا أمر مرفوض لديهم".

أعجبتني كتابة أُرسلت لي عن طريق "الوتس أب" لكاتبة أو داعية لا أعرفها، وبحثت في غوغل ووجدت أنها أستاذة ذات توجه ديني، مقالها المرسل كان بعنوان " تحياتي لكلمة عيب" وجدت أنها بالفعل كان لها قيمة في تربية الفرد على مكارم الأخلاق التي لم يعد لها وجود في زمننا هذا، وهذه مقتطفات منها: "تحياتي لأكاديمية عيب تلك القائدة التي كانت رائدة في زمن الآباء والأجداد، وحكمت العلاقات بالذوق ومن ثم وضعت حجر الأساس لأصول التربية السليمة، عيب كانت منبراً وخطبة يرددها الأهالي بثقافتهم الدينية البسيطة لم يكونوا خطباء ولا دعاة أو مفتين، وإنما هي كلمتهم لإحياء فضيلة وذم رذيلة، كلمة عيب سرنا عليها ذات يوم عندما قلنا علمونا العيب قبل الحرام، وتمردنا عليها ظناً منا أننا سنعلم الجيل بطريقة أفضل، فنشأ جيل جديد، جيل لم نفلح في غرس كلمة عيب ولا شقيقتها الكبرى حرام في التفاهم مع سلوكياته، ومع التطوير والتزوير في العصر والمفاهيم والقيم.

تحياتي من القلب لكلمة عيب ولكل الأجداد والآباء الذين استطاعوا أن يجدوا كلمة واحدة يبنون فيها أجيالاً تعرف الأدب والتقدير والاحترام في الوقت الذي أخفقت فيه كل محاولاتنا في أبجديات التربية المطورة".