من خلال مراجعة سريعة لتاريخنا المعاصر، على الأقل منذ بداية العهد الدستوري، يبدو أن الإصلاحات الداخلية تأتي دائما نتيجة متغيرات إقليمية أكثر منها استجابة مباشرة لضغوط شعبية داخلية، بمعنى آخر فإن وجود الضغوط الداخلية والمطالب الشعبية لم يكن يوما سببا كافيا لإحداث تغييرات وإصلاحات سياسية ما لم يكن هناك متغيرات في الساحة الإقليمية والعربية تُجبر السلطة على الاستجابة لها. هذه مجرد فرضية قد لا تصمد طويلا أمام البحث العلمي الرصين على الرغم من وجود بعض الشواهد التاريخية التي تدعمها.

Ad

لنبدأ من أواخر الخمسينيات ولنستعِدْ تطور الأحداث السياسية قبيل كتابة الدستور، لا سيما التي حصلت في ثانوية الشويخ عام 1959 أثناء احتفال "حركة القوميين العرب" بذكرى الوحدة بين مصر وسورية، والتي ألقى خلالها المرحوم جاسم القطامي خطابا حماسيا تم على إثره تشديد القبضة الأمنية وملاحقة بعض النشطاء السياسيين، وفي مقدمتهم الراحل جاسم القطامي، وتجميد أنشطة النوادي الثقافية.

 وفي عام 1961 أي بعد تهديدات عبدالكريم قاسم بضم الكويت إلى العراق عُين المرحوم جاسم القطامي، القيادي في حركة القوميين العرب المدعومة بشكل مباشر من الرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر الذي رفض تهديدات قاسم، وأبدى استعداده لحماية الكويت، مستشاراً في الديوان الأميري ثم وكيلا لوزارة الخارجية عام 1961، وفي العام ذاته بدأت الاستعدادات العملية لكتابة دستور 1962 الذي يعتبر امتداداً لمطالبات شعبية مستمرة منذ بداية القرن العشرين تم التعبير عنها في مجلسي 1921 و1938.

وفي عام 1976 تم تعطيل العمل بالدستور وحل مجلس الأمة وتقييد الحريات العامة، ثم شُكّلت لجنة حكومية للنظر في تعديل الدستور كان الهدف منها، على ما يبدو، تفريغه من محتواه الديمقراطي، واستمر حل المجلس رغم عدم الرضا الشعبي، إلى أن نجحت الثورة الإيرانية في يناير 1979 فأعادت السلطة النظر في الموضوع، وتراجعت عن إجراءاتها غير الدستورية، ثم دعت إلى انتخابات عامة عام 1981 بعد أن عدّلت منفردة الدوائر الانتخابية وقسمتها إلى 25 دائرة صغيرة.

ثم تكرر الحدث ذاته عام 1986 حيث عُطّل الدستور مرة أخرى، وقُيّدت الحريات العامة، ثم انتهى الأمر إلى تشكيل "المجلس الوطني" الذي كان يراد له أن يكون بديلا عن مجلس الأمة، وبالرغم من المطالبات الشعبية التي كان أشهرها "دواوين الاثنين" فإن السلطة لم تستجب لها، ولم تتراجع إلا بعد الاحتلال العراقي، ونتائج مؤتمر جدة الذي عقد في أكتوبر 1990، فضلا عن الضغوط والالتزامات الدولية.

أما أثناء ثورات ما سُمّى "الربيع العربي" فقد تم حلّ الحكومة ومجلس الأمة في نهاية عام 2011، ثم الدعوة إلى انتخابات عامة جديدة في فبراير 2012 رغم أن المطالبات الشعبية بالإصلاحات السياسية والديمقراطية كانت قد بدأت قبل انطلاق الثورات العربية.

ومما لا شك فيه أن التأثيرات الإقليمية والظروف الخارجية تعتبر عاملاً مؤثراً على أي بلد، فالعلاقة هنا جدليّة، ولكن أن تكون هي العامل الحاسم في الاستجابة للمطالب الشعبية الداخلية فهي الفرضية التي نشير إليها في هذه العجالة، وهو الأمر الذي يتطلب بحثا جديا لإثبات صحتها أو نفيها.