«إذا هذه أولها يا وزير التربية... ينعاف تاليها»
نسمع بعبارة "دولة القانون والمؤسسات" كثيراً على لسان المسؤولين وعامة الكتّاب والمهتمين بالشأن العام، لكن ما يجري على أرض الواقع يختلف تماماً عن هذه المصطلحات الوردية والشعارات الرنانة، خصوصاً فيما يتعلق بالتعيينات في المناصب، حيث يتضح أن المعيار الأول والأهم في الاختيار هو معيار "الواسطة" في حين أن معياري الكفاءة والنزاهة لا بواكي لهما.ولعل آخر مهازل هذه التعيينات هو قرار وزير التربية والتعليم العالي بخصوص تعيين المستشارين والملاحق الثقافية لتمثل الكويت ثقافيا في الخارج والذي افتقد بغالبيته للعدالة والمساواة، سواء باختيار الأسماء أو بتوزيعها على المكاتب.
طبعاً هناك من انبرى وانتقد هذا القرار من باب أن الوزير لم يلتزم بخيارات لجنة المقابلات، إذ قام بإجراء تعديلات عليها، لكن خيارات هذه اللجنة أيضا لم تكن منصفة بل كانت أسوأ من خيارات الوزير نفسه، فجميعنا يعلم أن أغلب لجان المقابلات لشغر المناصب في الدولة ما هي إلا مسرحيات لا تراعي أداء المرشحين في المقابلة ولا سيرتهم الذاتية، بل تخضع للضغوط السياسية والأهواء الشخصية والفئوية والطائفية، خصوصاً إن علمنا أن اللجنة بالأساس تشكلت من أعضاء أغلبهم غير أكاديميين أصلاً "وإن كان فيهم أكاديميون فهم بدرجة علمية أقل من درجة أستاذ دكتور"، لتقوم باختيار من هم أعلى منهم درجة أكاديمية وخبرة إدارية في إدارة الشؤون الطلابية والأكاديمية! فهذه اللجنة استبعدت من هم برتبة "أستاذ دكتور"، وقبلت من هم بدرجة "مدرس" لشغل وظيفة مستشار أو ملحق ثقافي، مع أن لائحة جامعة الكويت لشؤون أعضاء هيئة التدريس المادة (29 فقرة د) تمنع وبشكل صريح انتداب أو تفرغ من هم في درجة مدرس (أقل من أستاذ مساعد). ومع أن الوزير أجرى بعض التغييرات على خيارات اللجنة لكنها أيضا لم تكن تغييرات تلبي الطموح أو تحقق العدالة والمساواة الكاملة من وزير ينتمي إلى مؤسسة أكاديمية، وأقسم على احترام الدستور وقوانين الدولة، فهو لم يستبعد من هم بدرجة مدرس ممن وقع عليهم اختيار اللجنة (بمخالفة القوانين) إضافة إلى أن أحدهم لم يلق محاضرة واحدة أو يشرف على تدريس مادة واحدة طيلة خمس سنوات، بل ينتمي إلى كلية ليس فيها تخصصه العلمي في الوقت الحالي! والمضحك المبكي أن الوزير أراد تعيين من هو بدرجة أستاذ دكتور (أعلى درجة أكاديمية) كملحق في أحد المكاتب في حين يكون مسؤوله المستشار بدرجة مدرس!الوزير أيضا قام باستبعاد أستاذ دكتور من ملحقية واشنطن من أجل عيون النائبة السابقة غير المستحقة لأنها بدرجة مدرس، وليس لها أي خلفية إدارية وتعامل مع الطلبة لتبدأ معها لعبة "الدومينو" بنقل ذلك الأستاذ إلى مكتب لندن، مع وجود أستاذ دكتور آخر مستحق لذلك الموقع؛ لتوافر كل الشروط فيه كونه أستاذاً وشاباً وخريج المملكة المتحدة، بالإضافة إلى خبرته الإدارية والأكاديمية الطويلة كعميد مساعد للشؤون الطلابية، وفي تخصص طبي (أي تخصص علمي) في دولة أغلب الدارسين فيها هم من تخصص العلوم الطبية والهندسة، بينما عين من تخصص علم اجتماع! (مع احترامنا لجميع العلوم)، وهذا التخبط واللعب لا يتحمله الوزير الحالي فقط بل أيضا الوزير السابق الذي قام بتعيين عدد من الملاحق والمستشارين غير المستحقين، وأثّر بذلك على طريقة توزيع التعيينات الأخيرة على المكاتب.كنت أمنّي نفسي مثل الآخرين، أن يقوم الوزير (من باب الشفافية) بإعلان نتيجة اختيار المستشارين والملاحق في جدول يوضح من خلاله الدرجة العلمية والأكاديمية لكل دكتور، والمؤسسة الأكاديمية المنتمي إليها مع التخصص، بالإضافة الى الخبرات الإدارية والأكاديمية التي على أساسها وقع الاختيار عليهم، وتفضيلهم دون غيرهم من المتقدمين، لا أن تنشر الأسماء دون ألقاب لإخفاء الحقائق وتمرير التعيينات دون تبريرات منطقية.الخلاصة أيها السادة أن ما يحكم مثل هذا القرار أو القرارات الأخرى في مختلف أجهزة الدولة ليس معايير الكفاءة والعدالة والإنصاف وتعيين الرجل المناسب في المكان المناسب، بل قانون (كيفنا) حسب الأهواء والمحاباة السياسية والخضوع للضغوط؛ مع ملاحظة أن الضغوط ليست كلها سلبية لأنه وللأسف الشديد وصلنا إلى زمن أصبح الكفؤ والنزيه لا ينال ما يستحق إلا بعد وساطات وتدخلات النواب، و"يا كويت عزج عزنا"!