أعمال ميشال بصبوص تستعاد في بيروت...
مخزون حداثي {يؤنسن} الحجر
«نظرة استعادية لأعمال ميشال بصبوص»، أحد رواد الفن التشكيلي اللبناني المعاصر، محور معرض من تنظيم شركة «سوليدير» ومؤسسة ميشال بصبوص في مركز بيروت للمعارض، تحت إشراف أنشار بصبوص وصالح بركات.
«نظرة استعادية لأعمال ميشال بصبوص»، أحد رواد الفن التشكيلي اللبناني المعاصر، محور معرض من تنظيم شركة «سوليدير» ومؤسسة ميشال بصبوص في مركز بيروت للمعارض، تحت إشراف أنشار بصبوص وصالح بركات.
ولد الفنان ميشال بصبوص في راشانا في لبنان عام 1921، تابع دروسه في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ألبا)، بين 1945 و1949 حصل على منحة من الحكومة اللبنانية لمتابعة دروسه في المعهد العالي للفنون في باريس وبقي فيه لغاية 1951.بين 1954 و1955، خلال زيارته الثانية إلى باريس، تردد إلى مرسم «أوسيب زادكين» وصادق كبار النحاتين واطلع على مختلف التيارات الفنية التي كانت تضج بها العاصمة الفرنسية، من ثم استقر في بيروت حيث أصبح عضواً ناشطاً في الوسط الفني، وشارك في المعارض وامتهن التدريس في الجامعة الأميركية في بيروت.
الأحداث التي عصفت ببيروت عام 1958، أعادت بصبوص إلى قريته راشانا (في قضاء البترون شمال لبنان)، فأسس بالتعاون مع شقيقيه ألفرد وجوزف قرية نموذجية احتلّت بسرعة مركزاً مهماً وسط الفنون التطبيقية، وراح يبدع منحوتات في الهواء الطلق.لم يمنعه ذلك من أن يكون حاضراً في المدينة، فعرض أعماله في بيروت: سوق الطويلة (1971)، مركز الصباغ (1972)، مركز ستاركو (1973)، كذلك أقام معارض في الخارج: Baltard، باريس (1971)، متحف أشموليان، أكسفورد (1971)، متحف أوينو، طوكيو (1973) وفي متاحف مختلفة في الولايات المتحدة الأميركية (1973-1975).بعد حياة مثمرة بأجمل المنحوتات، رحل ميشال بصبوص سنة 1981، تاركاً تراثاً ضخماً لزوجته تيريز وابنه أناشار، يحاكي موجة الحداثة التي دغدغت الفنون كافة في لبنان.تطويع المادةمنذ أوائل الستينيات حوّل ميشال بصبوص قريته إلى مساحة تتفاعل فيها الفنون المختلفة من رسم ونحت ومسرح وأدب وشعر، فاستقطب المسرحيين الرواد الذين أرسوا أسس المسرح اللبناني الحديث، لا سيما منير أبو دبس وريمون جبارة وأنطوان كرباج وأنطوان ولطيفة ملتقى، وأشهر الفرق الموسيقية العالمية، وجعل من راشانا مركزاً ثقافياً له فاعليته وانعكاساته على الساحتين المحلية والخارجية.هكذا نشأت علاقة ميشال بصبوص بالمكان الذي بات من صميم تأليف المنحوتة. واليوم يهدف المعرض الاستعادي له، إلى إعادة إحياء هذه العلاقة، عبر عرض بعض المنحوتات في الهواء الطلق، فضلاً عن منحوتات أخرى تختصر ما خزن في عقله وفي إزميله من ثقافة شرقية وغربية، راكمها من تردده على محترفات النحت في فرنسا وصداقته بكبار رواد هذا الفن في العالم، وارتياده المتاحف العالمية واطلاعه على الحركة التشكيلية في النصف الأول من القرن العشرين. أحب ميشال بصبوص المادة وطوعها وألبسها وشاحاً من الشرق بغموضه وميتولوجياته وظللها بما يضج به الغرب من نمو تيارات تجريدية وفلسفية وجودية، وحركات ثورية طبعت الفنون، في النصف الأول من القرن العشرين، فجاءت منحوتاته تنبض بمشاعر إنسانية حول الحب، الأمومة، المرأة، وتتوق نحو التسامي وكأنها تخترق ما وراء الشفق، ما وراء الحياة، لتحفر لنفسها مكانة في عالم الخلود.نظرة شاملةاللافت في المعرض أن بعض منحوتاته تعود إلى فترة 1955 وما بعدها، بيعت إلى رجال أعمال، وزارة الثقافة في لبنان ومصرف لبنان، استرجعها ابنه أناشار بصبوص لرسم مسار والده الكامل، من بينها منحوتة خشبية ضخمة موجودة في وزارة الثقافة، ومنحوتة خشبية من آخر أعماله، موجودة في مصرف لبنان.بالإضافة إلى المنحوتات يضم المعرض مجموعة من الرسوم تعرض للمرة الأولى، وتعكس حرفية هذا الفنان الرائد في المزج بين الفنون التشكيلية وإحداث نقلة نوعية من الكلاسيكية إلى الحداثة والتجريدية وما تمثل من حرية في التعبير بعيداً عن أي قواعد.قبل ميشال بصبوص كان فن النحت يقتصر على إقامة نصب تذكارية ونصب للشهداء، أما هو فعمل على أنسنة الحجر والمادة وحمّلهما نبض المشاعر، فارتسمت أشكال إنسانية ترمز إلى أسمى المعاني، وظف لها تقنيات مختلفة، فأضحت جزءاً من هذا الفنان ومن شخصيته.اليوم تحتضن قرية راشانا في قضاء البترون في شمال لبنان متحف الإخوة بصبوص الذي يضم، إلى منحوتاتهم، أعمالا لنحاتين عالميين شاركوا في سمبوزيوم النحت الذي نظمه ألفرد بصبوص على مدى سنوات حتى وفاته منذ سنوات قليلة...يستمر المعرض حتى 26 أكتوبر.