تدهور أسعار النفط واستمراره لن يخلوَا من عواصف سياسية على المستوى العالمي أو على المستوى المحلي للدول المنتجة، ومنها الكويت، وهذه نتيجة طبيعية لسوء التخطيط والاعتماد على مورد وحيد للدخل، وما يزيد الطين بلة أن الحكومات المتعاقبة كانت على دراية بمثل هذه الاحتمالات منذ وقت طويل، لدرجة أن مناهجنا التعليمية أثناء عقد السبعينيات من القرن الماضي كانت تدرس سبل مواجهة هذه المشكلة في مادة الاجتماعيات.

Ad

ما نراه اليوم من تراشق سياسي وبالونات الاختبار الصادرة من الحكومة بترشيد الإنفاق وفرض الرسوم والضرائب ورفع الدعم وحتى تخفيض الأجور، في مقابل لجوء النواب إلى إلقاء الكرة في ملعب الخصم عبر وقف الهدر وإيقاف بعض المشاريع الكبرى والتحذير من المساس بحقوق المواطن، يعكس حالة الفوضى والضياع في التخطيط الاستراتيجي، ويبين الارتباك الشديد في اتخاذ قرارات احترازية، وهذا كله مجرد بداية لما قد يكون أسوأ كردود أفعال جديدة في الأيام القادمة.

باكورة تراجع سعر البرميل إلى ما دون الـ 80 دولاراً هي العجز الفوري في الميزانية العامة للدولة بمقدار 5 مليارات دولار وتوقُّف الفوائض المالية الجديدة، الأمر الذي يعني البدء في استهلاك فوائض السنوات السابقة، وتهديد الخطط المليارية التي أعلنت عنها الحكومة، بما في ذلك المشاريع الإسكانية، ومن جانب آخر تبدّد الوعود والإنجازات والمفاجآت السارة التي أعلنها العديد من أعضاء مجلس الأمة للمواطنين التي لا تتحقق إلا بكلفة مالية عالية، بمعنى أن الأحلام الشعبية سوف تظل وردية!

الرد الجاهز من السلطتين هو أن هذا ليس وقت الانتقاد والتشفي! وهذه المشكلة الكبيرة بحاجة إلى التعاون والتضحية وتجاوز الخلافات من أجل مواجهة هذا التحدي، خاصة أن تراجع أسعار النفط قد يمتد لسنواتٍ قادمة، وهذا عذر وجيه بحد ذاته، ولكن تجاربنا السابقة لم تكن مشجعة على الإطلاق، ولا يمكن الوثوق بوعود كهذه، فأين هي إجراءات الحكومة التي تم الإعلان عنها في منتصف التسعينيات؟ وأين الخطط والبدائل التي وعدت بها عندما هوت أسعار النفط إلى 7 دولارات؟ النتيجة الوحيدة كانت الفضائح المدوية على حساب المال العام والفساد المالي الموثق من الجهات الرقابية الوطنية والدولية، وتعثر معظم المشاريع التي صُرِفت عليها المليارات من الدنانير!

جدية الحكومة قد تكون على المحك عندما تترجم التصريحات الخاصة بشأن البدء في التقشف وتطبيق الرقابة الحازمة على كبار موظفي الدولة، وفي مقدمتهم السادة الوزراء والوكلاء، والإعلان عن برنامج واضح في إطار زمني محدد وفق منهجية علمية ورقمية قابلة للمتابعة والمحاسبة لمواجهة الأزمة النفطية وتبعاتها على المديين القصير والمتوسط، وهذا الحل مرهون بوجود فريق عمل يحظى بثقة الناس من حيث الكفاءة والنزاهة، وبعد ذلك يمكن أن يتحول النقاش إلى حوار موضوعي ومهني، وكالعادة نتمنى أن نكون، نحن المخطئين، والحكومة هي التي تكسب الجولة، ولكن يبدو أن ذلك هو بمنزلة حلم إبليس بالجنة!