الشهادة التي أدلى بها الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، الذي يحمل كل صفات أبيه كمال جنبلاط، و"مَن شابه أباه فما ظلم" في محكمة "لاهاي" بالنسبة إلى جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني (الأسبق) رفيق الحريري، فجّرت - أي هذه الشهادة - ألغاماً كثيرة، ووضعت النقاط على الحروف بالنسبة إلى العديد من الجوانب التي يدور حولها كثير من التساؤلات، وبخاصة بالنسبة إلى سلسلة "التصفيات" التي تلاحقت منذ ما بعد وقوع هذه الجريمة التي اعتبرت جريمة العصر، والتي غيبت عدداً من الذين من الممكن أن يكونوا شهوداً بحكم أدوارهم ومواقعهم السابقة، وآخرهم الجنرال رستم غزالة الذي يقال إنه تمكّن قبل مقتله من "تسريب" شهادته إلى الخارج، حيث هي محفوظة في مكان آمن.

Ad

قال وليد جنبلاط، الذي كان والده الزعيم الكبير لبنانياً وعربياً وعالمياً، وأول من طالهم مسلسل هذه التصفيات "المُقاوِمةُ والمُمانِعة"، كل شيء وبالتفصيلات الدقيقة، وهذا يجعلنا نتساءل عمَّا إذا كان هذا القائد المقدام (الانتحاري) سيعود إلى لبنان، حيث ستكون في انتظاره المتفجرات التي مزقت جسد رفيق الحريري وجسد الرئيس رينيه معوض، وجسد جورج حاوي وجبران تويني وسمير قصير، وقبل ذلك جسد مفتي لبنان حسن خالد، وجسد صبحي الصالح، وأيضاً كما يقال وكما تدور الشبهات، جسد عماد مغنية، الذي يتردد أنه هو مهندس ذلك الانفجار الهائل في الرابع عشر من شباط (فبراير) عام 2005 الذي أودى بحياة رئيس وزراء لبنان الأسبق ومعه بعض زملائه.  

إنه تهور يرتقي إلى حد الجنون أن يعود وليد جنبلاط إلى لبنان بعد كل ما قاله ورواه، وبالأسماء والوقائع حول جريمة اغتيال رفيق دربه رفيق الحريري، والمؤكد أنه أدرك غرض "الشائعات" التي تم ترويجها عشية وصوله إلى لاهاي، والتي غمرت بلده الجميل، وتحدثت عن أن هناك "وجبة" اغتيالات (طويلة وعريضة) قيل إنها ستطول السفير السعودي في بيروت، وهذا بالإضافة إلى عدد من قيادات تيار المستقبل، فضلا عن سمير جعجع وزوجة ستريدا... وآخرين.

إنّ على وليد جنبلاط الذي يعرف معرفة أكيدة أن لبنان لايزال يخضع للأجهزة الأمنية التي اغتالت والده كمال جنبلاط في السادس عشر من مارس (آذار) عام 1977، وأنَّ من قتل والده وقتل رفيق الحريري وكل هذه السلسلة الطويلة من الشهداء الأبرار، لن يوفره، وأن أوكار ودهاليز الضاحية الجنوبية التي تمسك بمطار بيروت من عنقه ستكون في انتظاره، وأن عليه ألَّا يكرر الخطأ القاتل الذي ارتكبه جبران تويني عندما لم يتعاط جدياً مع تحذيرات الذين نصحوه بعدم العودة إلى لبنان، لأن المتفجرات ستكون في انتظاره.

بعد استشهاد والده بفترة ليست بعيدة، تلقى وليد جنبلاط دعوة هي في حقيقة الأمر استدعاء من قبل الرئيس (الراحل) حافظ الأسد، وهناك - وهذه الرواية سمعتها من بعض كبار القياديين الفلسطينيين - عندما التقاه الرئيس السوري السابق خاطبه قائلاً: "سبحان الله... إنك تشبه والدك (الخالق الناطق)... لقد كان يجلس أمامي هنا وعلى هذا المقعد الذي تجلس عليه نفسه، ولقد نصحته بألَّا يمضي بعيداً في ما يفعله ويفكر فيه، لكنه لم ينتصح فحصل معه ما حصل... وإنني أرجو ألَّا تكرر خطأ (المرحوم) كي لا يكون مصيرك كمصيره"!

إنَّ هذه الرواية صحيحة كل الصحة، وإن وليد (بيك) لا شك في أنه قد تذكرها وهو يدلي بشهادته الجريئة في قاعة محكمة لاهاي، ولهذا فإن المفترض أن يأخذ الأمور على محمل الجد، وألَّا يرتكب الخطأ في التقديرات الذي ارتكبه والده، رحمه الله، والذي ظن أن تاريخه الوطني سيجنِّبهُ أي سوء، وأن مواقفه القومية ستشفع له عند الذين يستهدفونه، وإن كل ما سمعه وما وصل إليه من جهات مطلعة كثيرة قد يكون مجرد محاولات لإخافته وجعله ينحني للعاصفة، كما انحنى غيره من الذين برروا "تكويعهم" برفع رايات "التقدمية" ورايات "الممانعة والمقاومة"... واللهم اشهد!