تنطلق عجلة تنظيم السوق النفطي بمقدار البطء الذي تتحرك به الصناعة، وليس من سبب محدد يدفع الحكومات الغربية إلى التدخل في سوق النفط، نظراً لأن الأسعار المتدنية للخام مفيدة بشكل تقريبي لكل دول العالم المتقدم، بينما تضر دولاً أخرى مثل روسيا وفنزويلا.

Ad

يتوقع محللو البنوك عدم استمرار التحسن الذي شهدته أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة، ولكن من الأهمية بمكان، على الرغم من ذلك، التفكير والتمعن في الأسباب التي أفضت الى هذا التحسن في المقام الأول، فالأمر لم يكن على الاطلاق يتعلق بمبدأ العرض والطلب، بل بمفهوم الأسواق حول المسار الذي سوف تمضي اليه.

وإذا اتجهت أسعار النفط نحو الجنوب من جديد فإن ذلك سوف يكون ايضاً من قبيل التخمين، ويتعين بالتالي أن يتوافر لدى التجار والمتداولين عنصر الوحي والتنبؤ، سواء بالنسبة الى الأجل القصير أو الطويل، في اعلانهم المتعلق بأسواق النفط في الوقت الراهن.

المعروف أن أسعار النفط بدأت بالهبوط في شهر سبتمبر الماضي، وانخفض سعر خام برنت بنسبة 55 في المئة تقريباً بحلول منتصف شهر يناير، ولكنه عاود الارتفاع بحوالي 32 في المئة منذ ذلك الوقت.

ولكن لم يحدث أي شيء على وجه الخصوص يدفع إلى هذا التحسن خلال الأسابيع الخمسة هذه، ولم يحدث اضطراب بارز يفوق المعدل في امداد النفط من الشرق الأوسط، ولا حظر على النفط ضد روسيا، ولا خفض في انتاج الزيت الصخري في الولايات المتحدة نتيجة حرب الأسعار من جانب المملكة العربية السعودية.

وفي حقيقة الأمر، فإن الولايات المتحدة أنتجت في الأسبوع المنتهي في السادس من شهر فبراير ما يصل الى 9.226 ملايين برميل من النفط في اليوم، وهي أعلى نسبة منذ بدأت ادارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة تسجيل قياسات أسبوعية في سنة 1983.

ومن أجل التأكد فقط نقول إن التحسن كان مدفوعاً بمعلومات وبيانات، وكانت هناك إعلانات من قبل شركات طاقة كبرى حول هبوط الأرباح وخفض الوظائف (وحسب توقعات آي اتش اس غلوبال فستنخفض فرص العمل في هذه الصناعات بحوالي 40000 فرصة ما لم تحقق الأسعار ارتداداً) إضافة إلى حدوث خفض في الاستثمارات، ثم حدث هبوط في عدد المنصات النفطية في الولايات المتحدة، وقد توافر ذلك عبر شركة الخدمات النفطية بيكر هيوز، وهو رسم بياني مخيف بالنسبة إلى أي مستثمر محب للمعلومات.

وتشير هذه الأنباء إلى نصر وشيك للسعودية على صناعة الزيت الصخري في الولايات المتحدة التي ستضطر الى خفض انتاجها وانهاء التخمة النفطية، وهي سبب الارتفاع في أسعار النفط.

وقد بدأت الآن مرحلة العودة، وتعلم المستثمر أن أعداد المنصات تنعكس سلباً على القيمة كمؤشر، وكانت المنصات العمودية التي توقفت هي الأقل فعالية، بينما كانت الأفقية الأكثر انتاجية تزيد من حصتها، وبحسب تقرير لوكالة بلومبرغ نشر أخيراً فإن صناعة الزيت الصخري أظهرت درجة مدهشة من المرونة والتكيف.

وفي غضون ذلك، توجد أرقام جديدة تستحق التأمل، إذ حققت الولايات المتحدة معدلات انتاج قياسية ولدى الدول المتقدمة زيادة متنامية من المخزون النفطي، وقد وصل مخزون الولايات المتحدة الى مستوي قياسي بلغ 417.9 مليون برميل.

من جهة أخرى، يؤثر البحث عن مؤشرات مفيدة على اتجاهات الأجل الطويل، كما أن مستويات الخام الحالية تجعل المشاريع التي سبق أن أهملت تبدو جذابة من جديد، ولكن إذا عمد المضاربون الى خفضها لأنهم قرروا مراقبة أسهم النفط بدلاً من النظر الى عدد عمليات الحفر فإن تلك المشاريع ستبدو سيئة عندما يحين موعد اجتماع لجنة الشركات التالي.

كل شيء يتطلب وقتاً طويلاً في صناعة النفط، وخفض الاستثمارات يبدأ بإحداث تأثير على الانتاج بعد سنوات من الشروع فيه، وقد أشارت منظمة "أوبك" في تقريرها عن شهر فبراير الى أن أحد الأسباب وراء هبوط عدد المنصات وعدم تأثيره على الانتاج هو وجود فترة تمتد إلى ثلاثة أشهر بين عمليات الحفر واكتمال الآبار، وبخلاف عمليات التمويل فإن استخراج النفط يتم بمعدات ثقيلة وبمواجهة مستمرة مع قوى الطبيعة.

وعلى العكس من ذلك لا شيء في أسواق النفط يتطلب الكثير من الوقت، فهي أسواق مالية تعتمد فقط على التغير في الأرقام على شاشة الحاسوب وعلى سرعة ذهن من يراقبها.

ويشعر المشاركون في تجارة النفط في غالب الأحيان باستياء من ذلك، وسبق لمنظمة أوبك أن اشتكت منذ زمن طويل من طبيعة المضاربة في الأسواق الحالية، وفي تعليق نشر أخيراً في صحيفة فايننشال تايمز قال ايغور سيشن وهو الرئيس التنفيذي لشركة روزنفت الروسية المملوكة للدولة: "أسواق النفط المضطربة اليوم لا تعكس الأسعار في الواقع، وهي مدفوعة بدلاً من ذلك بمضاربات مالية تتفوق على العوامل الواقعية من العرض والطلب، كما أن الأسواق المالية تميل الى انتاج فقاعات اقتصادية تميل بدورها الى الانفجار".

وعلى أي حال، فإن عجلة التنظيم تنطلق بالقدر ذاته من البطء الذي تتحرك به عجلة الصناعة، وليس من سبب محدد يدفع الحكومات في الغرب إلى التدخل في سوق النفط، نظراً لأن الأسعار المتدنية للخام مفيدة بشكل تقريبي لكل دول العالم المتقدم، وهي تضر دولاً أخرى مثل روسيا وفنزويلا، ويفضي هذا الوضع الى اختلاف جلي بين رجال النفط حول توقعات الأسعار.

وكتب سيشن في مقالته أن الأسعار المتدنية إذا استمرت في خفض الاستثمارات فإن الأسعار سوف ترتفع – في نهاية المطاف – إلى 90 دولاراً أو 110 دولارات للبرميل، وعلى العكس من ذلك يشير الملياردير الروسي ميخائيل فريدمان الذي باع قبل سنتين أصوله النفطية الى شركة روزنفت في مقالته في صحيفة فايننشال تايمز الى أن السعار المتدنية للنفط تمثل الواقعية الجديدة، وقال إن ما يحدد السعر هو المفهوم المجرد.

وينجم هذا المفهوم إلى حد كبير عن وسائل الاعلام، وأنا أعتقد أن لدى البعض من الدول مثل المملكة العربية السعودية وروسيا قدرة أكبر على احتمال فترات طويلة من النفط الرخيص وبدرجة تفوق قدرة شركات الطاقة مثل تلك التي تقوم بتشغيل آبار الزيت الصخري في الولايات المتحدة وشركات الخدمة. ويوفر ذلك لتلك الجهات ميزة بالنسبة الى حرب الأسعار التي بدأت في العام الماضي. كما أن موجة اخرى من هلع المضاربة الذي يتحدث عن سعر للنفط يصل إلى 30 دولاراً أو حتى 20 دولاراً للبرميل لن تسهم في تبديد تلك المخاوف.

ومن جهة أخرى، توجد في أسواق الطاقة المستدامة درجة أكبر من الصمود تفوق ما هو موجود لدى تلك الدول، وفي الأجل الطويل ستقرر الاتجاهات التقنية الرئيسية والمصالح القومية حالة العرض والطلب في سوق النفط.

ولكن سعر النفط ليس الجانب المهم لأن ذلك سوف يعتمد على العناوين الرئيسية التي تعكس تلك المصالح القومية والتقدم التقني، أو ربما بعض عوامل الأجل القصير الجديدة الراهنة.