بلد الإنسانية أو ماذا؟!
الذي فهمته عن مأساة الأطفال البدون المحرومين من التعليم من مقالات الزملاء الإنسانيين أن أهل هؤلاء الأطفال غير مسجلين في الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية، أو أنهم لم يجددوا بطاقاتهم، وبالتالي لم تصدر للأطفال شهادات ميلاد، وكما كتبت بصدق ابتهال الخطيب، لا تقبل نيابة الأنساب دعاوى الأهل لأنهم لا يحملون بطاقة صالحة من الجهاز المركزي... "حوسة"، وعذاب، وبهدلة، وانتهاك كرامة البدون، وكأنهم بدون هوية إنسانية وليس بدون هوية كويتية، حين تم حذفهم وتقفيزهم من جهاز بيروقراطي لآخر، ومن دائرة إلى أخرى، والنتيجة واحدة، هي الرفض، فلا حلم بسيطاً بتعليم أيتام قانون الجنسية، ولا أمل لإطفالهم بحق إنساني بالتعلم.
المطالبات بأوراق إثباتات وشهادات من الجهات الرسمية تأتي هنا ليس بمعنى تنفيذ القانون، وإنما كعقوبة وأداة ابتزاز على الأهل من السلطات، حاملة عصا الترويع، كي يقدموا جناسيهم (أو جوازاتهم الأصلية)، ولا يدعون بالتالي أنهم بدون، في حين، كما أخبرتني زميلة، أن عدداً من هؤلاء الأهالي، وجدوا أنفسهم في ورطة الوعود الحكومية في زمن مضى، حين وعدتهم السلطات بإقامة وعمل بمجرد أن يقدموا وثيقة سفر صالحة من أي دولة كانت، فاشتروا جوازات سفر من دول "أي كلام" كي يستوفوا شروط الإقامة، وتبين في ما بعد أنها جوازات مزورة، هم ضحايا لم يزوروا تلك الجوازات، وإنما هرولوا لها، كي يغلقوا أبواب الاشتراطات الرسمية، التي تتبدل وتتغير، كل يوم حسب حصافة المسؤولين، وكي يستقر بهم الحال، فهم مقتنعون بأنهم من أهل البلد، وأن ليس لهم وطن آخر، ولو كان لهم مثل هذا الوطن لما وضعوا رقابهم تحت مقصلة الجهاز المركزي.أياً كانت عليه الأمور، فإن القدر المتيقن اليوم أن من يدفع الثمن أطفال أبرياء، لم تشفع لهم طفولتهم ولا دموع أهلهم الساخنة، هؤلاء الأطفال ولدوا بالكويت، وأهلهم لا ينتسبون لمكان آخر، وبإمكان الدولة الاكتفاء ببلاغ الولادة، كما كانت عليه الأمور سابقاً، كم أتمنى، اليوم، على وزير التربية الجديد د. بدر العيسى إنهاء عذاب أهالي البدون، وأن يبشر أطفالهم بحلم الإنسانية بالتعليم، أليست هذه بلد الإنسانية؟! "ولا هو كلام جرايد بس...".