في المؤتمر السنوي لمؤسسة الفكر العربي (فكر 13) الذي عقد في الصيخرات بالمغرب من 3 إلى 5 ديسمبر 2014 بعنوان "التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم"، ألقى رئيس المؤسسة الأمير خالد الفيصل كلمة أثرت في قلوب الحاضرين ونفوسهم، كانت كلمة بليغة ومعبرة عما يدور في نفسية العرب وعقولهم من آمال وطموحات مما يعانونه من انقسامات ومعوقات، وما يواجهونه من تحديات يعجزون عن مواجهتها ليعلقوه على شماعة المؤامرات، أقتبس منها قوله:

Ad

" في كل زمان يقال: لم يمر على الأمة العربية أسوأ من هذه الحال، وتتهم المؤامرة... وتلعن الأسباب وتستصرخ الصحراء... ويتعالى النداء!! فتردد صداها الجبال، وتعلو صيحة الأجيال، وعوضاً عن البناء والنماء بنهج الحكمة والحكماء ينشب القتال بين الأخ وأخيه، ويتحسر الأب على مصير بنيه!!"، ثم يقول: "وتحار الأمهات، وتختلف الأقلام، فهل عادت الجاهلية؟ أم أنهم الخوارج؟ أم هي المؤامرة التي يدعون؟ وكيف تكون، وهي مخرجات بحوث ودراسات، تناقش في منتديات ومؤتمرات، وسياسات معلنة في الصحف والفضائيات؟ ألم يئن للعرب أن يحكموا العقل، ويفيقوا من غفوة الجهل؟!".

 كانت لهذه الكلمات أصداء إيجابية واسعة في أرجاء القاعة الواسعة، وبطبيعة الحال، العرب لا يملكون عقلاً يختلف عن عقول الأمم الأخرى، فالعقل ملكة إنسانية مشتركة، لكن بالتأكيد العقليات تتفاوت، العقل الواحد، والعقليات متعددة تبعاً لاختلاف الثقافات وتبعاً لتطور الأزمان والبيئات، فالعقلية العربية في الجاهلية غيرها في الإسلام، وهي اليوم في عصر الانفتاح والتواصل والعولمة غيرها بالأمس، العقلية العربية اليوم قد تطورت لكنها ما زالت محكومة بجملة من القيم السلبية التي تعوق من فاعليتها، كما وضحها العالم الدكتور حامد عمار، شيخ التربويين، والذي توفي قريباً، رحمه الله تعالى.

 من أبرز هذه القيم المعوقة نظرية المؤامرة، التي تفسر بها عادة ما يحصل في الساحة من صراعات وانقسامات ومآسٍ وكوارث ومظالم لم يشكُ منها العرب، فيلجؤون إلى اتهام الآخر بأنه وراء ما يعانونه، فيغفلون عن معالجة الأسباب الحقيقية لمعاناتهم، لتستمر الأوضاع المتردية دون حل، دعونا نتساءل: لماذا يميل العرب– ليس كلهم ولكن معظمهم– إلى تصديق نظرية المؤامرة؟ وما العوامل التي تعزز ترويج هذه النظرية وقبولها في الساحة؟

 أتصور أن أبرز هذه العوامل:

 1- سهولة التفسير والإقناع:

أعني أن تفسير الأحداث المعاصرة والقريبة بنظرية المؤامرة يسهل قبوله، فرسم الحدود بين الدول العربية من فعل المستعمر الذي أراد تقسيم الأمة وسهولة السيطرة على الموارد، وزرع إسرائيل في قلب الأمة لمنع وحدتها ونهضتها، مما يسهل قبولها، كذلك القول إن غزو صدام للكويت مؤامرة أميركية لاستنزاف موارد الخليج، وثورات الربيع العربي وراءها مخططات أجنبية لإحداث الفوضى والاضطرابات، وضرب برحي أميركا مؤامرة لاحتلال أفغانستان والحرب على الإسلام... إلخ.

 2- العامل النفسي:

 يميل المغلوب، حينما يفشل في مواجهة التحديات، إلى اتهام الآخر المتفوق بالمؤامرة، تبريراً لعجزه وراحة لنفسه، فهو لم يقصر، اجتهد وكافح، لكن الآخر الشرير تآمر ولم يلتزم بالمبادئ الأخلاقية!

 3- العامل الثقافي:

 الثقافة المجتمعية عامة تكرس في نفسيات الناشئة أن إسرائيل هي المتهم الأول في كل عمل شرير يحصل للعرب، وأن اليهود مصدر الشرور في العالم.

 4- العامل التاريحي:

 نظرية المؤامرة لها جذور عميقة في تاريخنا، فاليهود هم من تآمروا على الرسول- صلى الله عليه وسلم- والدولة الإسلامية الوليدة، و"الفتنة الكبرى" وراءها اليهودي ابن سبأ، و"بروتوكولات حكماء صهيون" صحيحة عندنا!

 5- العامل المستقبلي:

 في تراثنا، أخبار متواترة عن أبدية الصراع مع اليهود حتى آخر الزمان، حيث يختبئ اليهودي وراء حجر ليأتي المسلم ليقتله، لينتصر المسلمون في النهاية.

6- التوظيف السياسي:

كلا الخطابين: القومي والإسلام السياسي، قاما على أساس راسخ من "أيديولوجية الصراع والمواجهة" مع الغرب وأيديولوجية الصراع، صخرتها الصلبة هي "نظرية المؤامرة" التي وظفها التياران: القومي والإسلامي، توظيفاً سياسياً ناجحاً لكسب الشعبية والوصول إلى السلطة، وبرر بها الانقلابيون العسكريون، قبل نصف قرن، ثوراتهم على الأنظمة القائمة، ويوظفها اليوم الغلاه الإرهابيون في أعمالهم الوحشية وصولاً إلى "دولة الخلافة".

ختاماً: صدّق أو لا تصدّق النظرية، لكن أبرز سلبيات تصديق نظرية التآمر، تغييب "منهج نقد الذات" وعدم قدرة القادة على مواجهة دروس الإخفاق، واستدامة الصراع والمواجهة على حساب معركة الإصلاح والبناء، وترسيخ "ثقافة الكراهية" ضد الآخر الحضاري، وضبابية تشخيص المشكلات بربطها بغير أسبابها الحقيقية، كمثل من يشكو ألماً في معدته فينسبه إلى عين الحسود أو السحر فلا يأخذ علاجاً ناجحاً ليستمر الألم!

* كاتب قطري