المثقفون المصريون يتضامنون مع جمال الغيطاني
{نثار المحو} تعيد أزمة الرقيب والترجمة
عند ترجمة رواية الكاتب جمال الغيطاني «نثار المحو»، حاولت دار النشر التدخل لحذف بعض الجمل بدعوى أن الرقيب رفضها، لأنها لا تتفق مع الأخلاقيات العامة، فاستنكر المثقفون والأدباء المصريون هذا الأمر، مؤكدين أنه ليس من حق المترجم تغيير أو تحريف أو التدخل في النص المترجم بل يجب عليه أن يلتزم بما كتبه المؤلف أو يتم التغيير بالاتفاق بين الاثنين.
أبدى الكاتب الكبير جمال الغيطاني رفضه حذف أي جملة من روايته {نثار المحو} من القيمين على مشروع الترجمة القطرية الذي يدار عن طريق دار النشر البريطانية {بلومزبري}، مندداً بما رأته الرقابة بأنه غير أخلاقي، ومبدياً اندهاشه من الموقف، قائلاً: {احترامي لذاتي جعلني أرفض نشر تلك الترجمة، لأنه ليس من حق المترجم أو الرقيب التدخل في عملي وإبداعي}.وأكد الغيطاني أن تعاقده كان ينص على عدم التدخل نهائياً في أي جزء من أجزاء الرواية، إلا بالرجوع إلى المؤلف، مؤكداً أن ما استفزه أكثر أن الدار وضعت غلاف الرواية بعد ترجمتها على موقعها الإلكتروني من دون الحصول على موافقته المبدئية على النشر بعد الترجمة، خاتماً كلامه بأن {المترجم ظل لمدة ثلاث سنوات يعمل والتقيا سوياً أكثر من مرة للاتفاق على إشكاليات الترجمة وتوضيح وجهة نظره في أي تفصيل غير واضح وبعد ذلك جاءت النتيجة بشكل غير مقبول}. من ناحيته، يرفض رئيس دار الكتب والوثائق المصرية حلمي النمنم ما حدث مع الغيطاني من محاولات تحريف روايته، ويرى أن هذا الأمر يشكل خطراً كبيراً على الأدب العربي، مؤكداً أن {مثل هذه الأفعال يحرف الرواية الأصلية وهي خطوة غير مقبولة، فالمترجم مجرد ناقل للعمل باللغة الأخرى، موضحاً أن لدى الأدباء العرب نقصاً في أعمالهم المترجمة، {رغم أن لدينا المركز القومي للترجمة، وأذكر هنا مشروعاً أنشأه الدكتور ناصر الأنصاري أثناء رئاسته هيئة الكتاب وهو الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، لكنه لم يكتمل ولم ينجح بسبب أننا ننتقي الكتب ونشتري حق ترجمتها، وهو أمر غير مجد، فلا يجوز أن أكتب، وأن أترجم أعمالي إلى اللغات الأخرى}.يطالب النمنم أن يهتم بنا الغرب، ويطلب أعمالنا التي يريد ترجمتها، خصوصاً أن لدينا أدباء كباراً عالميين تمت ترجمة أعمالهم إلى لغات كثيرة أمثال نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وإبراهيم عبدالمجيد وغيرهم، ومن الممكن أن تدعم مصر ذلك بشراء عدد من النسخ المترجمة أو استضافة رحلات مختلفة لزيارة الأماكن التي كتب عنها أدباؤنا الكبار كنوع من الترويج لمصر وللأدباء الكبار.يقول النمنم: {مصر أصبحت تتعامل مع العالم الخارجي بطريقته نفسها، ونترجم الأعمال التي تخدم أهدافنا الاستراتيجية والوطنية، بدليل ترجمة المركز القومي لكتاب {التحالف السري بين المخابرات البريطانية والأصولية الإسلامية}، وهذا مطلوب فأنا في نهاية الأمر أريد أن أخدم مصالحي الوطنية مثلما يفعل الآخر}.الناقد الأدبي الدكتور عبدالمنعم تليمة يرى أن على المترجم أن يكون جيداً وألا يقل مستواه الفكري عن مستوى المؤلف المترجم عنه، وأن تكون معرفته بالموضوع جيدة وإلا فقد تكون الترجمة غير دقيقة ولا يتدخل لتعديل أي نص أو حذف أي جملة أو عبارة إلا بالرجوع إلى صاحب العمل الأصلي، فهو صاحب الحق الأصيل في ذلك، مؤكداً أن أحد أبرز المصاعب التي تعترض طريق الترجمة اختلاف الميراث الثقافي والعادات والتقاليد والعلاقات الأخلاقية والدينية السائدة، مطالباً المترجمين بعدم إدخال العاطفة في مثل هذه الأعمال.يقول تليمة: {على المترجم تحويل الكلام إلى فكر، ثم يسمح للفكر أن يتحول إلى كلام واضح ومفهوم وعليه الرجوع إلى المصادر والمعاجم أو ذوي الخبرة كي يجد ما يبحث عنه في ما يجهل، وكي يطمئن قلبه ويشعر بأن ما ترجمه يتطابق مع ما يريد أن يوصله المؤلف، فالترجمة الأدبية تتطلب أحياناً خيال المترجم وقدرة على التصرف من دون فقدان الخصوصية الفنية ومدلول النص الموضوعي المترجم مثلما نقرأ في ترجمات الشعر}.تطالب المترجمة هناء نصير زملاءها أن يكونوا أمناء في عملهم ولا يتدخلوا في أي أمر، لأنهم يتحدثون بلسان كاتب العمل الأصلي لا بوجهة نظرهم، فلا يجوز لهم الحذف أو إدخال بعض الجمل سواء بسبب أبعاد أخلاقية أو سياسية، مشيرة إلى أنها لجأت مرة إلى حذف كلمات بسبب أن الكاتب الأصلي كان يصف بعض الطقوس المصرية للقراء الأجانب، ورأت أنه لا يجوز أن نقدم شرحاً للقارئ العربي عن إحدى الطقوس التي يفعلها المصريون يومياً.تشير نصير إلى أن الأزمة المثارة الآن سببها أن كاتب الرواية الأصلي ما زال على قيد الحياة، مؤكدة أن ثمة مئات الأعمال رحل أصحابها ولا يجدون من يدافع عنها ولا يعرف الورثة شيئاً عما يحدث في إبداعات ذويهم الراحلين، ما يجعل المترجمين وأصحاب دور النشر يعبثون بهذه الأعمال بلا رادع أو مانع، موضحة أن ثمة كتاباً قد يتم التأثير عليهم لأخذ موافقتهم على الحذف أو الإدخال. وأشادت بالموقف الذي اتخذه الغيطاني تجاه تحريف روايته من القيمين على دار النشر، خصوصاً أن {الترجمة موجهة إلى الغرب الذي لا توجد عنده خطوط حمراء، لذا الأعمال التي تترجم إلى العربية لا يجب أن يعيقها أي خطوط حمراء أيضاً، فأعمالنا أصبحت متحررة بشكل كبير ولا نحتاج إلى مثل هذه التعقيدات أو الرقابة الخانقة}.