لو
مع أن التاريخ لا يعرف كلمة "لو"، لكن يظل طرحها كافتراض مشروعاً، فماذا "لو" (على سبيل المثال فقط) لم يتدخل الغرب في ليبيا، هل كنا سنتصور أن يقوم "داعش" بنحر رقاب عمال مصريين بؤساء كأنهم خراف لمجرد أنهم أقباط؟ وهل كنا سنتخيل المآسي اليومية التي يحياها الليبيون المدنيون الحائرون بسؤال أين هي "الحكومة الشرعية" وأين مكانها؟ ومن هو صاحب السلطة اليوم، هل هو في بنغازي أم في طرابلس؟ ومن سيكون غداً؟ وأليس لغزوات "جماعات فجر ليبيا" وأهل الزنتان نهاية؟ وأين الخط الفاصل بين المعتدلين من "الإخوان" وجماعات التطرف وغيرها حين شكلوا تحالفات واسعة سرعان ما تتفكك؟ وهل نتصور أن "حفتر" القادم من أميركا، والذي كان الضابط المفضل عند القذافي، ولكنه حقد عليه حين تركه أسيراً في تشاد، ثم خرج ليصفي حساباته مع رئيسه السابق من الولايات المتحدة، كان سيشكل جيشاً أو عصابة لا تختلف عن الجيوش والعصابات التي تتسيد الآن المشهد الليبي؟ "فورن أفيرز" و"نيويوركر" عرضا القليل من المأساة الليبية، "دورية فورن أفيرز" ليست يسارية، وكذلك ليست متعاطفة مع الإسلاميين، وهي تمثل فكر الواقعية السياسية الأميركية "ريال بوليتيك"، ذهبت في عددها الأخير، لتقرر أن تدخل فرنسا وبريطانيا ثم الولايات المتحدة كان كارثياً على ليبيا، و"ربما" المنطقة، وحتى على سورية، فمنطقة "حظر الطيران" التي شرعها الغربيون في ليبيا، أراد ثوار سورية أن يكون لهم مثلها في وطنهم كما صرحوا لـ"واشنطن بوست" ذلك الوقت، وتصوروا وهماً أن ذلك ممكن ولم يحدث، وعندها زاد العنف في مارس 2011 حتى وصلنا اليوم إلى المرحلة الداعشية، وتعرفون بقية المأساة حين وجدت دولنا التي ساندت الثورة ضد الأسد أنه لا يمكن استبعاد نظام الأسد من الحل المرتقب، فقد يكون "أهون الشرين" بعد حفلات الذبح الداعشية.
لنعد لليبيا، فقوات القذافي التي كانت تتقدم ضد ثوار بنغازي لم تقم بعمليات التصفيات كما صورت لنا القنوات العربية الخليجية، فقد أعطت قواته المنسحبين من الثوار فرصاً للتراجع والانسحاب لمصر بدون ثأر، وتضيف "فورن أفيرز" أن القذافي الذي كان يقترب من السبعين عاماً لم يكن، في أسوأ الأحوال، هو مستقبل ليبيا، فسيف الإسلام كان يتحرك بنشاط لتطوير النظام بحركة إصلاح تدريجية، فقد قال وأكد عدة مرات، عام 2010، إنه لن يقبل الحكم في ليبيا دون دستور ودولة القانون، وانتخابات نزيهة، وكان جاداً في ما يقول، فهو أقنع والده بإطلاق سراح السجناء السياسيين قبل ذلك، ووضع برنامجاً نموذجياً لتقويم فكر التطرف، وقام سيف الإسلام بزيارات ولقاءات مع مفكرين غربيين كبار مثل روبرت بوتنام وفوكوياما وغيرهما... كلام كثير، كان يمكن أن يقال عن مصير ليبيا، وما صارت إليه الأمور، فيها أو في مالي، وتشاد، حين تسربت الأسلحة وعصابات الإرهاب لهذين البلدين، لو لم يحدث التدخل الغربي البائس في ليبيا، والذي بارك ومهد له الفيلسوف الفرنسي كلود ليفي، والذي قال إني أردت أن أظهر للمسلمين العرب في ليبيا كيف يمكن أن يقف معهم ومع حقوقهم شخص يهودي مثلي...! لنعد لحرفي "لو" متسائلين عن المنطقة العربية وأنظمتها وثوراتها وما انتهينا إليه اليوم في رعب البراميل المتفجرة لبشار الأسد، أو حفلات نحر البشر من دواعش ونصرة وغيرهما من أصحاب المسالخ البشرية المتنقلة، هل كان من الممكن أن تتطور دول المنطقة وقبائلها وطوائفها لطور الدولة المدنية الحديثة بثقافاتها وإرثها التاريخيين... ماذا "لو" لم يتدخل الغرب في ليبيا أو قبلها في العراق...؟! ماذا "لو" لم تتدخل دولنا في دعم تمردات أو دعم الثورات المضادة، ولم تمولها، ولم تجعل من أرض الآخرين ساحة تصفية حسابات قديمة...؟! ماذا لو لم يتدخل الغرب في العراق عام 2003 أو في 91 لتحرير الكويت؟ هل كان من الممكن أن تقرأوا مقالة "لو"... في هذه الجريدة، أو "ربما" بدلاً من هذا المقال قد تطالعون مقالاً يمجد القائد الضرورة في جريدة "النداء...؟"، ولن تغرقوا أنفسكم، عندها، مع ركام "أين الحقيقة" في اتهامات الفساد المتبادلة لأبطال ومهرجي مسرح الكويت الوطني الجديد... هذا "لو" كنتم طبعاً أحياء"!!!