"أشعر براحة نفسية لوجود بعض أقاربي معي، يخففون عني مشقة العمل"، هكذا قال سائق شاحنة النقل، مدني الزهار، الذي يعمل ضمن آلاف المصريين في أعمال حفر قناة السويس الجديدة، التي يتوقع أن يتم افتتاحها أغسطس المقبل، بعد عام واحد من إعطاء الرئيس عبدالفتاح السيسي إشارة البدء في أعمال حفر 72 كيلومتراً، هي طول المجرى الجديد.

Ad

يشعر "الزهار"، بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، حيث باح بمكنون نفسه لـ"الجريدة" في جولتها داخل موقع العمل، قائلاً: "العمل شاق، لكننا نتغلب عليه بالعزم، نعرف أهمية المشروع لمصر، ووجود أقاربي ومعارفي معي يمنحني راحة نفسية، لأن معظم العاملين من أبناء المدن القريبة من القناة، ونقسم الورديات بيننا، ونغنِّي لنكسر الروتين".

تتجول بين صفوف العمال، فتستمع إلى أغاني محمد طه، قادمة من مسجل صغير يحمله أحد العمال، يرتبط الفنان الشعبي الراحل بجلبابه المميز بأجواء الريف المصري العريق، كلمات "طه" المرتجلة تسكن قلوب البسطاء بسهولة، قديماً قالت الأسطورة إن "أبوللو" ساعد في بناء مدينة "طروادة" بأنغام قيثارته الذهبية، المصريون ربما لا يعرفون تلك الحكاية، لكنها ساكنة في وجدانهم، يتغلبون على العمل الشاق بالأغاني، لذلك لا تتعجب وأنت تسمع العمال وهم يحفرون ويرددون أغانيهم على ألحان آلة السمسمية، الآلة المصرية الصميمة.

ما يلفت الأنظار، هو الإصرار الذي تلمحه في عيون الرجال، تحت لفح الشمس، لا تنكسر النظرات بل تزداد صلابة، في أوقات الراحة يتجمع العمال على اختلاف أعمارهم في مقار الراحة، مجرد "عشش" مصنوعة من "البوص"، يتقاسمون طعامهم ويتبادلون النكات، يشربون الشاي المشروب المفضل للمصريين وهم يتضاحكون ويرتجلون الأغاني، ومن بعيد بدأت بعض بقع المياه تظهر، مختلطة بعرق المصريين.

اختلست "الجريدة" دقائق من راحة العامل الشاب أحمد فاضل، الذي أكد أن "العمل شاق ويحتاج إلى عزيمة وإرادة من حديد، لأننا نعمل تحت وطأة حرارة الشمس المرتفعة، لكن ما يهوّن علينا ذلك هو روح التفاؤل والحماسة لدى الجميع، وحسن المعاملة من قبل المسؤولين عن تسيير العمل".

ولخص علي الزعفراني، أحد أبناء سيناء ومالك إحدى شركات المقاولات العاملة في حفر القناة، سعادة المشاركين في المشروع القومي الجديد، قائلاً: "روح العمل والتعاون بين جميع الأفراد سواء من المدنيين أو رجال الجيش، هي السائدة على أرض الواقع، من أجل هدف واحد، إنجاز العمل في أسرع وقت ممكن".

الإصرار على الانتهاء من عمليات الحفر، يكشفه تقسيم ساعات العمل العشرين يومياً إلى ورديتين، مع راحة 4 ساعات، يشارك فيهما نحو 22 ألف عامل و70 شركة مقاولات، وإشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، لإنهاء الحفر في المشروع الجديد، الذي يتوقع أن يرفع الدخل الإجمالي لقناة السويس من نحو 5.5 مليارات دولار إلى 13 ملياراً.