تحليل سياسي : مهرجان «اللجان» بين الإنجاز والإخفاق
تتوجه الأنظار إلى الموقفَين الحكومي والنيابي من طلبات تشكيل اللجان المؤقتة ولجان التحقيق البرلمانية في جلسة افتتاح دور الانعقاد الثالث لمجلس الأمة بعد غدٍ، بعد تجربة لم تثمر كثيراً من الإنجاز في دور الانعقاد الماضي، سواء على الصعيد التشريعي أو الرقابي، بحسب التقارير الدورية التي تصدرها أمانة المجلس باستثناء اللجنة الإسكانية.الظروف السياسية التي رافقت دور الانعقاد الماضي دفعت الحكومة "مجبَرة" إلى التعامل مع طلبات تشكيل اللجان بشكل سياسي لا فني من باب المواءمة، إذ رفضت طلباتٍ ووافقت على أخرى، وامتنعت (أو تغيبت كتلتها) عن التصويت على طلبات، وفي أحيان أخرى جاء موقفها بهدف رمي الكرة في الملعب النيابي لكسب الوقت والموقف ضد أي استجواب يلوح في الأفق أو تصعيد تجاهها.
وإذا كانت الحكومة نجحت في تكتيكها السابق "سياسياً"، فإن النتيحة "الفنية" كشفت عن جانب سلبي تمثل في انحراف بعض اللجان عن أهدافها، لتصبح تلك اللجان سيفاً مصلتاً على الحكومة وعلى وزرائها، حيث أعطت مَن تريد مهادنتهم سلاحاً لابتزازها، لتجد نفسها مجبرة مجدداً على تقديم تنازلات لتجاوز أزمات لم تكن متوقعة لولا الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها بشأن كيفية التعامل مع تلك الطلبات.وأمام هذه الحالات والتجارب السابقة، ستجد الحكومة نفسها مجدداً أمام اختبار التعامل مع اللجان البرلمانية المؤقتة أو تلك التي تحمل صفة التحقيق في دور الانعقاد المقبل، فهل تستمر في تعاطيها السياسي مع الطلبات؟ وتفتح ثغرات في جدارها للنواب؟ أم ستتخذ موقفاً حاسماً وقاطعاً برفض جميع الطلبات المقبلة، والاكتفاء بدور اللجان الدائمة في التعامل مع الملفات المتوقع طرحها في دور الانعقاد المقبل؟ أما على الصعيد النيابي، فهناك تباين في المواقف تجاه اللجان المؤقتة والتحقيق، فلا رفضٌ مطلق أو تأييد مطلق، والموقف يبنى على اتجاهين في غالب الأحيان، أولاً أهمية اللجنة وارتباطها بقضايا شعبوية أو سياسية، وثانياً المجاملة النيابية لمقدمي الطلب مقابل دعم قانون والتصويت معه. وفي حالات أخرى يكون الموقف (قبولاً أو رفضاً) رسالةً ما إلى الحكومة أو الوزير المعني باختصاصات اللجنة.هذا التعامل النيابي مع إحدى أهم الأدوات الرقابية الدستورية قد يحقق نجاحاً سياسياً وانتخابياً بالنسبة لأصحاب الطلب، ولكنه في المقابل قد يمثل إساءة إلى مجلس الأمة إذا كانت اللجنة غير فاعلة، كما هو الحال في دور الانعقاد الماضي، لاسيما إذا كانت سمة دور الانعقاد لجاناً بلا إنجازات، أو – وهو الأهم – لجاناً بلا نصاب، وهذا الشق تحديداً من شأنه أن يسبب حرجاً لمكتب المجلس الذي سيجد نفسه في مأزق بشأن كيفية التعامل مع تلك اللجان في مثل هذه الحالات.وما يزيد "الطين بلة" أن الأمانة العامة للمجلس، ومن باب الشفافية مع المواطنين، حرصت على نشر تقارير دورية عن أعمال اللجان الدائمة والمؤقتة والتحقيق بشكل عام على موقعها الإلكتروني، غير أن الإحصائيات فتحت المجال لانتقاد المجلس بشكل عام من بوابة عدم التزام نوابه بحضور اللجان المؤقتة وفقدان النصاب وقلة الإنجاز.وبالإضافة إلى ما سبق، فكثرة اللجان غير الأصلية أربكت مواعيد اجتماعات اللجان الأصلية، وأفقدتها نصابها، وسلبت أعضاءها القدرة على التركيز في ما يُتداوَل من قوانين، وبإمكان زائر مجلس الأمة ملاحظة خروج النواب من اجتماع قائم للجنة لدخول غيره في لجنة أخرى لإكمال النصاب، أو الحضور للتصويت على التقرير فقط.للجان الدائمة والمؤقتة ولجان التحقيق أهميتها الدستورية والنيابية، إذ لعبت، في مجالس سابقة، أدواراً مفصلية في العديد من القضايا، ولكن حين كانت تُوظَّف بالطريقة الصحيحة مع الالتزام النيابي بها والقناعة الحكومية بأهميتها، فكانت النتيجة ملموسة فعلاً لا مجرد تصريحات ذرّاً للرماد في الأعين وإشعاراً بوجود اللجنة، وهو ما يستوجب على المجلس والحكومة أن يعيدا النظر بشكل جدي في كيفية التعامل مع طلبات اللجان بعيداً عن المصلحة المؤقتة.