زيادة أسعار الكهرباء والماء... على من سيقع الضرر؟
إن عملية إعادة تسعير مشتقات النفط والطاقة، لن تكون مُفيدة للمجتمع ككل وعادلة بحق ما لم تكن جزءاً من حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية ومالية جذرية وشاملة، يترتب عليها توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع السياسات واتخاذ القرارات التي من شأنها تحقيق العدالة الاجتماعية.
تتجه الحكومة، كما صرح وزير المالية قبل عدة أيام، إلى زيادة أسعار الكهرباء والماء، وذلك بعد تخفيض الدعم الحكومي بحيث تُقسّم تعرفة الأسعار بحسب نظام الشرائح الاستهلاكية، والذي من الممكن أن يساهم في ترشيد الاستهلاك، ويحد من الإسراف والتبذير ويدعم الميزانية العامة للدولة، ويكون مقبولاً من حيث الشكل إذا ما تم استثناء أصحاب الدخول المتدنية ووضع سقف مرتفع نسبيا للاستهلاك المنخفض التعرفة بالنسبة إلى السكن المنزلي الخاص، بحيث يتم التفريق بينه وبين السكن الاستثماري والقطاعات التجارية والصناعية والزراعية، فالنظام المعمول به حاليا غير عادل من هذه الناحية؛ لأن الدعم الذي يحصل عليه السكن الخاص أقل من الدعوم الإجمالية التي تحصل عليها القطاعات الأخرى.بيد أن المشكلة لا تنحصر في جزئية ترشيد استهلاك الكهرباء والماء والمحروقات رغم أهميتها، بل تمتد إلى أبعد من ذلك، إذ إن ترشيد استهلاك الطاقة ليس هدفاً بحد ذاته بل وسيلة من وسائل المحافظة على البيئة، ووقف هدر الأموال العامة، وترشيد عملية استخدام الموارد، ودعم الموازنة العامة للدولة من أجل تحقيق تنمية شاملة ومستدامة يستفيد منها الجميع بشكل متساو وعادل؛ ولهذا فما لم تتوافر إدارة عامة ديمقراطية وصالحة ورشيدة، بحيث تكون هناك مشاركة واسعة وفعلية في صنع السياسات واتخاذ القرارات، وشفافية في إدارة المالية العامة، وأجهزة رقابة مستقلة وفاعلة، وتوزيع عادل للثروة الوطنية، فإن الأموال أو الإيرادات التي ستُحصّل بعد زيادة أسعار الكهرباء والماء والخدمات العامة الأخرى ستذهب في نهاية المطاف، كما ذهبت الفوائض المالية من قبل، إلى مجموعة صغيرة هي التي تستفيد أكثر وأكثر من الثروة الوطنية. أضف إلى ذلك أن نظام الشرائح الاستهلاكية بالنسبة إلى الكهرباء والماء والمحروقات سيترتب عليه تخفيض بنود الدعم الاجتماعي الضرورية، وتحميل أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية وحدهم العجز المالي في الموازنة العامة للدولة، حيث سترتفع أيضا تكاليف المعيشة وأعباؤها، لأن الشركات الخاصة وتجار التجزئة سيحملونهم بدل زيادة أسعار الكهرباء والماء والمحروقات، خصوصاً في ظل ضعف الأجهزة الرقابية المستقلة أو غيابها واستشراء الفساد بجميع أشكاله.على هذا الأساس، فإن عملية إعادة تسعير مشتقات النفط والطاقة (البنزين والمحروقات والكهرباء والماء)، لن تكون مُفيدة للمجتمع ككل وعادلة بحق ما لم تكن جزءاً من حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية ومالية جذرية وشاملة، يترتب عليها توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع السياسات واتخاذ القرارات التي من شأنها تحقيق العدالة الاجتماعية، وتصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني والمالية العامة.