شاعر وقاص ومسرحي وناقد وفيلسوف في الحياة والنفس الإنسانية، أغنت كتبه المكتبة العربية والعالمية إذ ترجمت إلى الإنكليزية والروسية...

Ad

ولد مخائيل نعيمة في بسكنتا المتكئة على جبل صنين في لبنان في أكتوبر 1889، وتلقى دروسه في مدرسة الجمعية الفلسطينية. لم تكن طفولته عادية، كذلك مطلع صباه، إذ كثيراً ما كان يعتزل رفاقه في الدرس ليخلو إلى تأملاته، ومناجاة ذاته، ويمضي وحده متوغلاً في الجبل، فيسترسل في مخاطبة نفسه، استرسالاً يجعله يقول: {كأن الوحدة السحيقة من الزمان التي تفصلني عن عهد المسيح قد انغمرت، فلا هو بالبعيد عني، ولا أنا بالغريب عنه}.

 تابع نعيمة دراسته الجامعية في بولتافيا- روسيا ( 1905-1911) وهناك اطلع على الأدب الروسي وتعمق فيه، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية ( ديسمبر 1911) وأكمل دراسة الحقوق في جامعة واشنطن،  ونال إجازتين في الأدب والحقوق، ثم سافر إلى جامعة رين الفرنسية إبان الحرب العالمية الأولى، وذلك بمنحة أميركية، ونال الجنسية الأميركية.

عام 1918، تحديداً في مايو، سيق إلى الجندية في الجيش الأميركي، وأرسل إلى الجبهة الفرنسية الألمانية، ثم سرح عام 1919، وعاد إلى نيويورك وعمل في محل تجاري.

لم تكن حياة نعيمة في أميركا محصورة بالدراسة والعمل، بل كان له حضور قوي بين أدباء المهجر اللبنانيين والعرب، فانضم إلى الرابطة القلمية التي أسّسها أدباءٌ عرب في المهجر، من بينهم جبران خليل جبران.

بعدما صال وجال كتابة وشعراً وتأملات واغتنى بالتجارب الفكرية والفنية على السواء، عاد إلى بلدته بسكنتا عام 1932، ومنها أشع على الحركة الأدبية، فأبدع كتباً هي ثمرة تأملاته في الطبيعة والإنسان، وعشقه للأرض والوطن والجمال... وغلفها بروح صافية استمدها من عمق شخصيته المتصالحة مع المكان والزمان، بل مع كلّ زمان ومكان.

جار صنين، كان نعيمة يفيء إليه بحثاً عن فلسفة الوجود وما وراء هذا الوجود، وأثمر بحثه هذا  فلسفته في وحدة الكون المستندة إلى نظرته الكونية القائمة على الوحدة بينه وبين الوجود، والوحدة بينه وبين الذات الأزلية... لقّب بـ{ناسك الشخروب» (منطقة على سفح صنين)، وتوفي في 22 فبراير 1988.

زاد معرفي

تعامل نعيمة مع الكتابة بنهم وعشق، استمر طوال حياته يقرأ ويبحث في المرئي واللامرئي، ويدوّن تجاربه وتأملاته في كتب أضحت منارة في اليقظة الفكرية والأدب التجديدي، من بينها:  

«الغربال (1927)، كان يا ماكان (1932)، المراحل، دروب (1934)، جبران خليل جبران (1936)، زاد المعاد (1945)، البيادر (1946)، كرم على درب، الأوثان (1948)، صوت العالم (1949)، النور والديجور (1953)، في مهب الريح (1957)، أبعد من موسكو ومن واشنطن (1963)،

اليوم الأخير (1965)، هوامش (1972)، في الغربال الجديد (1973)، يابن آدم ونجوى الغروب (1974)، من وحي المسيح (1977)، ومضات، شذور وأمثال، الجندي المجهول، مختارات من ميخائيل نعيمة وأحاديث مع الصحافة»...

عرّب ميخائيل نعيمة كتاب «النبي» لجبران خليل جبرا، ووضع مجموعة شعرية وحيدة «همس الجفون» بالإنكليزية، عربها محمد الصابغ سنة 1945، وصدرت الطبعة الخامسة عن دار نوفل في بيروت (1988).

في ميزان النقاد

يقول أحمد قنديل عن نعيمة: إذا كان للعربية، بل إذا كان للشرق جميعاً أن يزدهي بمفكريه وأن يباهي بفلاسفته وشعرائه وكتابه، فقد حق لنا، نحن أبناء العربية، أن نضع ميخائيل نعيمه في رأس مفاخرنا الروحية والأدبية في هذا العصر. ميخائيل نعيمه مدرسة إنسانية فريدة ومذهب مخلص من أشرف مذاهب الفكر الإنساني.

ويقول المحامي ميخائيل عون: «في تاريخ، أكثر الشعوب، أدباء يفرضون أنفسهم على شعوبهم.. فيحيون ذكراهم بأنفسهم، ويجددون ذواتهم في تاريخ شعوبهم.. وشعوبهم تجد ذاتها في تراثهم. كمن يكتشف قانون البقاء! من هؤلاء الأدباء الروَّاد: الريحاني، جبران خليل جبران، عمر فاخوري، وميخائيل نعيمة».

جاء في محاضرة المفكر التونسي محجوب بن ميلادي: «الحديث عن نعيمة هو حديث صعب ومتشعب، لذلك يضّطرنا إلى الغوص في قضايا الفن والعلم والفلسفة، والدين والمجتمع والسياسة، التربية والثقافة والحضارة، والربط بين هذه القضايا ربطاً محكما وواضحاً».