لو أمعن المتابع جيداً لوجد أن ما يسمى بالتواجد الخارجي في البلدان العربية إنما هو موجود في مدن مدمَّرة بنيوياً وخدماتياً وسياسياً! ابحث عن عاصمة واحدة يسودها السلام والأمان، لا يوجد أبداً! قاطنو تلك العواصم لا يتنعمون بالفستق الفاخر والزعفران الفارسي، ولا حتى برشفة شاي أصفهانية! لا يتجرعون سوى الدمار، ثم الدمار، ثم الدمار! والله المستعان.

Ad

المشكلة تبدأ عندما يضم نظام الحكم انتهازيين فاقدي ولاء لأوطانهم، وفاسدين سياسياً، مما يجعلهم لقمة سائغة في يد من أرادهم أدوات لتدمير بلدانهم، ولنا في ما يحدث وينشر من أخبار محزنة، أدلة كثيرة تخفي وراءها أدلة أكثر.

نبدأ أولاً من بيروت، التي أصبح قرارها متأثراً ويسير في دورة مستندية طويلة قد تختم بعدها أو لا تختم بتوقيع حزب فاسد سياسياً، ينتظر التعليمات التي تأتي من الخارج! وحتى منصب رئيس الجمهورية السيادي لم يبت قراره حتى الآن في انتظار التعليمات!

في سورية، يتشبث الطاغية، بأسنانه وأنيابه، بنفوذ الخارج، لكنه يقع في المساومات التي لا تنتهي، ويدور منذ أربع سنوات وأكثر في دوران لا ينتهي، وإن انتهى فسينتهي بخسارة، وحتى إن حصل ربح فسيحصل بالنقاط لا بالضربة القاضية!

سورية بلد مدمر نفسياً، قبل أن يكون سياسياً، والتدمير النفسي معاوله أقسى بكثير من التدمير السياسي الذي قد ينتهي بكلمةٍ و"رد غطاها"!

ثم في بغداد، بعد وصول العبادي إلى سدة تنفيذ القرار (لاحظ أنني قلت تنفيذ القرار لا صاحب القرار)، فقد شاهد العالم بأسره تمثيلية تسليم الرمادي لـ"داعش"! وهي حلقة ثانية من مسلسل ممل بدأ بتسليم الموصل!

المفارقة أن تسليم الرمادي لداعش تزامن مع تسليم مدينة تدمر في سورية أيضاً إلى داعش! وبسيناريو متشابه جداً مع فارق المكان، ويبدو أن إدارة حركة "داعش" رأت أنه من المهم عمل هذا السيناريو لحاجة في نفس من يتضرر ويتلقى الضربات الموجعة جنوباً في اليمن!

وهي، على أية حال، تعتبر حركة "نص كم" سياسية لا يتقنها سوى المتأرجحين عقلياً في إدارة السياسة الفاشلة! حيث يحلم سياسيو "النص كم" بنقل المعركة من صنعاء إلى حيث يسيطرون في مناطقهم المدمرة، والتي لن تخسر أبداً من دخول أي حرب، فهي مدن مدمرة وحصلت على مناعة ضد الحروب، على طريقة "أنا الغريق فما خوفي من البلل؟!".

في المقابل، تتوالى السيطرة الخليجية على السماء اليمنية وقطع الإمدادات الخارجية عن الحوثيين والمخلوع، وتم تقليم الأظفار الخارجية المساندة لهما وإظهارها بأوضاع مذلة، حيث تُفتَّش سفنهما وطائراتهما في جيبوتي وتحت ضغط الأوامر والتعليمات الخليجية.

المشكلة بدأت تتبين ملامحها الحقيقية (وهي كانت معروفة مسبقاً، لكن عاصفة الحزم كشفتها علنياً) بأن قوة العدو الخارجي تتمثل في أدواته من ضعاف النفوس في بلداننا، أو من يسمون بالخلايا النائمة، بينما هو لا يملك الإمكانات الحقيقية لدخول جيشه النظامي في أي مواجهة مع دول الخليج العربي التي تتمتع بغطاء جوي لا يملك ربعه، وبأنظمة سياسية موثوقة دولياً، واقتصاديات عالية المستوى في التصنيفات الدولية، بينما تتهاوى عملته النقدية وتتراوح بين أسفل وسافل!

من هنا، يتبين أن "داعش" مجرد مسرحية فقط لا تصلح للعرض إلا في المدن المدمرة التي تسيطر عليها قرارات القوى الخارجية، ولا تملك إلا تمثيل مسرحيات مكشوفة ورديئة، ومع الأسف فإن أكثر أبطالها من أبنائنا المغرر بهم!

مادام نظام الأسد قائماً، ومادامت التدخلات الخارجية قائمة، فسيكون "داعش" قائماً، وهو الأداة الأساسية المربحة (في الوقت الحاضر على الأقل) لتحقيق ما يريده الذين يسيطرون على مدن مدمرة وأنقاض وأطلال كانت جزءا من تاريخ!

فائدة "عاصفة الحزم" أنها كشفت علناً قوتهم الكرتونية، ثم كانت التفجيرات الإرهابية الآثمة في القطيف والدمام التي كشفت حقيقة "داعش" لمن لم يقتنع بعد.

عاصفة الحزم، رغم بعض السلبيات، جاءت خطوة ممتازة في الاتجاه الصحيح لكشف الحقيقة بكل وضوح، فضلاً عن كشفها بوضوح حركات "النص كم" الفاشلة التي بدأت من "داعش" ولا نعلم أين تنتهي!

حمى الله بلاد خليجنا العربي من كل شر، وأسأل الله أن تتحرر بقية بلدان العروبة من القبضة الخارجية التي تتسلح بالطائفية والتحركات الفاشلة التي تستغل أوجاع وظروف الشعوب بكل دناءة.

***

أتقدم بأحر التعازي وصادق المواساة إلى أسرة المغفور له بإذن الله، عوض الدماك، أحد رواد الزراعة في البلاد، والذي انتقل إلى رحمة الله صباح أمس الجمعة، سائلاً الله تعالى أن يرحمه ويغفر له ويتجاوز عن سيئاته ويسكنه فسيح جناته و"إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".