البرامج الحوارية في مصر... هروب من السياسة إلى المنوّعات
ظهرت برامج حوارية سياسية كثيرة في مصر عقب ثورة 25 يناير، وبدأت أخيراً تغير وجهتها إلى المنوعات واستضافة نجوم التمثيل والغناء، هرباً من الأزمات التي قد يسببها الحديث في السياسة أو الانفلات الأخلاقي الصادر عن ضيوف معروفين بعصبيتهم الزائدة وانفلات ألسنتهم... تزامن هذا التغيير مع قطع الإرسال عن بعض البرامج في الفترة الأخيرة بسبب انتقادها بعض الوزراء.
توضح المذيعة ليليان داوود أن وسائل الإعلام المصرية أصابتها عشوائية وضبابية عقب ثورة 25 يناير بعد سنوات من الانغلاق. وتشير مقدمة برنامج «الصورة الكاملة» على قناة «أون تي في» إلى أن الثورة فتحت الأبواب والأبواق حتى صارت حرية الإعلام بلا سقف، مع العلم أن العرب لا يملكون خبرة تراكمية تسمح لهم بالتعامل الجيد والحكيم مع هذه الظروف الثورية والتي ولدت هذا الانفلات الأخلاقي.تطالب داوود زملاءها الإعلاميين بعدم الادلاء بآرائهم السياسية أو الانحياز إلى أي طرف أثناء ظهورهم على الشاشة، «لأن هذه التصرفات تفسح مجال الانفلات أمام بعض الضيوف المعروف عنهم سرعة انفعالهم»، مؤكدة أن الموقف السياسي يتغير فيما الموقف الإعلامي يبقى ثابتاً، ولا يجوز لمذيع المراهنة على اتجاه سياسي معين، بل عرض الموضوع من دون تدخل، مشددة على ضرورة انتقاد النظم الحاكمة بمنتهى الموضوعية بعيداً عن التطبيل والتهليل أو التشويه والتضليل.
إعادة ترتيبيلفت الخبير الإعلامي الدكتور سامي الشريف إلى أن ثمة خللاً في البرامج الـحوارية منذ بدء عملها، لعدم وجود ميثاق شرف أو قانون واضح المعالم، يتم على أثره محاسبة المخطئ، فالكل يجتهد من دون وجود سياسة إعلامية تحدد أطر التعامل، مطالباً الإعلاميين بالتحلي بالحيادية والشفافية وعدم تبني اتجاه سياسي واحد. يشير إلى أن ثمة اتجاهاً جديداً داخل القنوات الفضائية بالتحول إلى المنوعات للخروج من الأزمات المتكررة بسبب البرامج السياسية.يطالب الشريف بإصدار ميثاق شرف إعلامي يضعه الإعلاميون، ويكونون رقباء على أنفسهم، ويقول: «لا يليق أن تكون لدينا ثورتان في غضون عامين ولم نضع بعد هذا الميثاق، ثم لا يمكن أن تضعه الحكومة نيابة عن الإعلاميين، فأهل مكة أدرى بشعابها. من هنا أتمنى إشهار نقابة الإعلاميين (تحت التأسيس) بسرعة لتضطلع بدورها المنوط بها في هذا الشأن، ويتفرغ مجلس إدارتها لمناقشة هذه المواضيع وحل الأزمات والمشاكل.بدوره يوضح الخبير الإعلامي الدكتور صفوت العالم أن الحل الوحيد لأزمات الـ «توك شو» والقنوات الفضائية هو إعادة ترتيب البيت الإعلامي من الداخل بوضع قوانين وتشريعات لازمة وملزمة للأطراف كافة، مشيراً إلى أنه «من غير اللائق أن نجد على شاشات الفضائيات من يشتم ويتهم خصومه بالعمالة والخيانة من دون دليل، مطالباً بوجود جهة متابعة من الإعلاميين لمناقشة هذه التجاوزات والخروقات.يتابع أن غالبية القنوات العاملة في الساحة الإعلامية المصرية دُشّنت خلال الثورة، وهي فترة، كما يعرف الجميع، مليئة بالفوضى والعشوائية، ومن الطبيعي أن يعاني المولود فيها من تشوهات، لا سيما أنه لا يوجد أي حساب لغاية الآن، رافضاً الأساليب المتبعة حالياً من قطع الإرسال، «فلو كان ثمة ميثاق شرف لما حدث ذلك كله». نقابة الإعلاميينيعزو رئيس نقابة الإعلاميين (تحت التأسيس) حمدي الكنيسي السبب الرئيس في أزمة الإعلام المصري عموماً والانفلات الأخلاقي في البرامج الـحوارية خصوصاً، إلى عدم إشهار نقابة الإعلاميين لغاية الآن، يقول: «استوفينا الأوراق المطلوبة، وتقدمنا بالمستندات المطلوبة، لكن لم يتم إشهار النقابة لغاية الآن ، ومازلنا في انتظار الإشهار لنستطيع أداء دورنا».يضيف ألا أزمة حقيقية في هذ الشأن خصوصاً في الفترة الأخيرة، «عندما أصبح في البلد رئيس جمهورية وحكومة قوية انضبط الوضع بعض الشيء»، متوقعاً أن يزيد هذا الانضباط بمرور الوقت، لا سيما عندما تصدر قوانين خاصة بتنظيم الإعلام، التي تعمل على إصدارها اللجنة المشكلة من كيانات إعلامية وصحافية وأطر اجتماعية ذات صلة، مثل المجلس الأعلى للصحافة، نقابة الصحافيين، اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ونقابة الإعلاميين تحت التأسيس، ونقابة العاملين في الصحافة والنشر.ملاذ ووجهةيشير الناقد الفني كمال القاضي إلى أن «تغيير وجهة بعض البرامج لاستضافة فنانين ومتابعة أخبارهم، الاهتمام بقضايا اجتماعية كالزواج والطلاق، أو استضافة بعض الأشخاص «الخارقين» مثل أكلي اللحوم النيئة أو الزجاج، أو شخص تزوج 62 مرة، كما شاهدنا في الفترة الأخيرة... باتت هذه الأمور كافة الملاذ الأخير لمذيعي الـبرامج الحوارية كي يستمروا في أداء عملهم».يعزو هذا التحول الجذري في توجه بعض البرامج لسببين: «الأول عدم وجود مادة إعلامية سياسية مثيرة للجدل تساعد على النجاح والانتشار على غرار تلك التي شاهدناها على مدار الأعوام الثلاثة السابقة، الثاني رغبة بعض أصحاب القنوات الفضائية في الابتعاد عن لهيب السياسة حتى لا يكتووا بنيرانها، لا سيما بعد قطع الإرسال عن أكثر من برنامج سياسي».يشير القاضي إلى أن في الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير وقعت أحداث يومية وبحثت عمن يغطيها، أما الآن فتمرّ أيام من دون وقوع حدث يستحق التغطية، غير زيارات الوزراء لمواقع العمل، وهو ما لا يساعد هذه القنوات على استمرارها بالقوة نفسها التي بدأت بها، بالإضافة إلى أن أصحاب القنوات الفضائية أرادوا الابتعاد عن العشوائية التي تسيطر على بعض الضيوف عندما يتم التطرق إلى السياسة.