حواضن الإرهاب
القضاء على "الدواعش" ضرب من الخيال سواء في العراق المنهك أو في سورية الممزقة، فالحرب ستطول لسنوات، وما ترتيبات تسليح بعض الفصائل والأكراد بحجة الدفاع عن أنفسهم إلا مقدمة لتقسيم جغرافي يقطع العراق وسورية إلى دويلات صغيرة على أساس طائفي وعنصري، وقد يكون مقدمة لتقسيمات أخرى بالمنطقة لا سمح الله.
سبق أن كتبت عن خطورة تسويق فكرة الخلافة الإسلامية التي ساوت نفسها بالخلافة الأموية والعباسية والخلافة الراشدة في أكبر عملية تزييف للتاريخ، حتى صار منْ مثل البغدادي خليفة للمسلمين وقدوة لهم، وتفشت ظاهرة عمى القلوب بينهم، وصار الباطل ونكاح الجهاد حقا.على ما يبدو أن ضربات التحالف استنهضت الحواضن فأخرجتها من جحورها، وبدأ الموالون للخلافة بإعلان البيعة للتنظيم في كل من الجزائر ونيجيريا وليبيا وباكستان واليمن، والحبل على الجرار، وقد يمتد إلى دولٍ أخرى كرد فعل على صدق نبوءة قائدهم باسترجاع مجد الخلافة.
هذا التعاطف لم يكن وليد المصادفة، بل هو زرع استمر التحضير له عشرات السنين عبر إتاحة الفرصة للتكفيريين بالتغلغل بين عوام الناس بدءاً بالمناهج ووسائل الإعلام المرئية والمكتوبة مروراً بالمساجد، إلى أن نجحوا في إلغاء مفهوم التعايش السلمي واحترام عقيدة الآخر، وصار خروج الولد على أبيه من مسلّمات دينهم. القضاء على "الدواعش" ضرب من الخيال سواء في العراق المنهك أو في سورية الممزقة، فالحرب ستطول لسنوات، وما ترتيبات تسليح بعض الفصائل والأكراد بحجة الدفاع عن أنفسهم إلا مقدمة لتقسيم جغرافي يقطع العراق وسورية إلى دويلات صغيرة على أساس طائفي وعنصري، وقد يكون مقدمة لتقسيمات أخرى بالمنطقة لا سمح الله؛ لذا لا بد من إعادة النظر في مثل هذه القرارات التي تحوم حولها الشكوك. الصورة التي تناولتها وسائل الإعلام والتي ضمت ما يسمى بشيوخ بعض القبائل في العراق مع قيادات تنظيم "داعش" تبين كيفية سقوط المحافظات ذات الأغلبية السنية العراقية بيد التنظيم بهذه السهولة بعد أن تداخلت فيه مصالح البعثيين والنقشبندية مع "داعش" ليدفع ثمنها السنّة والشيعة والأيزيديون والمسيحيون على حد سواء. الأمر الذي لا أستطيع فهمة آنذاك هو القدرة القتالية لـ"داعش" على التمدد والحشد العسكري في المكان والزمان اللذين يختارهما، وقدرته على جمع السلاح وتوفير آليات نقل السيارات ذات الدفع الرباعي الجديدة، وسرعة تنقل مقاتليه، لكن الأيام كانت كفيلة بكشف المستور.ولكي تعرف من وراء "داعش" عليك متابعة مصادره المالية وجنسيات مقاتليه ومن يساعدهم في تصدير النفط وبيعه ومن هم العملاء أو الشركاء الذين يوفرون له هذا الغطاء، ومصير التبرعات التي جمعت بحجة تسليح المعارضة المعتدلة، والتي انتهى بها المطاف، إما في جيب "داعش" أو في جيب جامعها.الخوف اليوم لم يعد محدداً برقعة جغرافية بعينها فها هي أعلامهم رفعت في أكثر من مكان وفي أكثر من بلد، وأصوات شيوخهم ما زالت تطل علينا من قنوات العهر والفتنة، وتغريداتهم تملأ صفحات "تويتر"؛ لذا من الضروري اتخاذ مواقف استباقية بدلاً من السكوت خوفاً أو تحسباً والله أعلم.ودمتم سالمين.