انتشرت ظاهرة جديدة مؤخرا بين أوساط الكويتيين، تمثلت في قبول السكن بشقق في ابراج استثمارية، بدلا من التفكير في بيت العمر، الذي يقف الشاب الكويتي بانتظاره زمنا طويلا في مؤسسة الرعاية السكنية، وربما يفارق الحياة قبل ان يسكنه.

Ad

ومما يعرفه القاصي والداني ان عدد الطلبات المتراكمة على ارفف «الرعاية السكنية» قد وصل حتى الآن الى ما يقارب 112 الف طلب اسكاني، اي ان هناك 112 الف عائلة كويتية تنتظر دورها للحصول على بيت، ومن هذه العائلات من بدأ بايجاد حلول بديلة، سواء بالسكن لدى بيت والد الزوج، او بيت والد الزوجة، بينما لجأت الأغلبية العظمى الى استئجار شقق في ابراج استثمارية.

وأدت هذه الظاهرة، مع مرور الوقت، الى ارتفاعات جنونية في اسعار تلك الشقق، حتى وصل سعر الشقة في بعض المناطق الى 160 الف دينار.

ومن هنا أصبح حلم الكويتي في الحصول على شقة في برج استثماري بعيدا عن متناول اليد، حتى لو قدمت الدولة كل الامتيازات التي تمنحها للمستحقين وفق اعتبارات «الرعاية السكنية»، وبنك التسليف والادخار، وغيرهما من اعتبارات المساعدة التي تقدمها الجهات المعنية للمستحقين وفق دفاترها الرسمية.

ولن تتجاوز قيمة قرض التسليف ودعم مواد البناء قيمة الـ100 الف دينار، بينما اصبح ثمن الشقة في بعض الابراج الاستثمارية يناهز 160 الف دينار، وفق احد المتابعين للشأن العقاري ممن استطلعنا آراءهم في جولتنا هذه.

وارتأت «الجريدة» ان تقدم اقتراحا لحل المشكلة الاسكانية، كتلك الاقتراحات التي طرحتها من قبل، سواء بمشاركة جهات خارجية ذات خبرة، او اضطلاع الدولة بالحل بالتعاون والمشاركة مع القطاع الخاص.

وقد دفعت فترة الانتظار لطلب الاسكان المواطن الى تغيير فلسفة الاسكان لديه، واضطرته الى القبول بشقة تلم شمل عائلته بدلا من انتظار بيت العمر، نظرا لطول قائمة الطلبات في «الرعاية السكنية».  

وتقترح «الجريدة» ان تقدم الدولة العون للمواطن للحصول على شقه حيث لاتزال الحكومة تدفع 150 دينارا شهريا لكل مواطن مستحق للسكن كبدل سكن، وهو ما يمكن ان يعتبر قسطا لشقة تعود ملكيتها للمواطن وتصبح استثمارا يحقق عائدا له، فيما لو قامت الجهات المعنية بشراء البيت من الشركة المطورة ودفع قيمتها لها بالكامل وتسليمها الى المواطن على ان يقوم المواطن بدفع ما تبقى من القيمة الايجارية كأقساط وليس كإيجار للشقة.

ونوضح هنا ان قيمة القسط ان بلغت 500 دينار مثلا، فان الجهات المعنية ستدفع 150 دينارا عن المواطن المستحق لهذه الشقة، بينما يقوم المواطن بدفع الـ350 دينارا المتبقية، كقسط وليس كقيمة ايجارية، ويتم احتساب الاقساط او استقطاعها شهريا.

وبعد جولة استطلاعية، خرجت «الجريدة» بهذه الحصيلة من آراء عدد من المتخصصين والعقاريين:

المطوع: فكرة ناجحة جداً

أثنى رئيس مجلس ادارة شركة سدير للتجارة العامة والمقاولات طارق بدر السالم المطوع على مقترح قيام الحكومة بدعم المواطن الكويتي بهذه الطريقة دون ان تقدم له القرض او الدعم على المواد الانشائية، واصفا اياها بالفكرة الناجحة جدا.

واضاف المطوع ان هذه الطريقة توفر على خزينة الدولة مبالغ مالية كبيرة بل انها قد تلجأ الى طرح قسيمة الارض التي تنوي اقامة تجمع سكني عليها امام القطاع الخاص وتبيعها له محققة بذلك عائدا على الخزينة العامة للدولة، مبينا ان هذه الفكرة تشجع على نشر مبادرة القروض الميسرة مع التزام الحكومة بتسديد ما تعهدت به للمواطن، ثم يقوم المواطن بسداد ما يتبقى عليه من التزامات.

واكد ان ارتفاع اسعار الشقق مرده الى شح الاراضي، والدولة حين تلجأ الى الاخذ بهذه الفكرة فإنها تساهم في توفير الارضية المناسبة لتغيير فلسفة السكن عند المواطن الذي بات يؤثر السكن في شقق طابقية على الانتظار في طابور طلبات «الرعاية السكنية «الطويل.

واشار الى ان الجهات المعنية تستطيع اللجوء الى تطبيق قانون البناء والتشغيل والتحويل (بي أو تي) في مثل هذه المشاريع، على ان يتم وضع اشتراطات للسكن الذي ستقوم شركات التطوير العقاري الكويتي بتنفيذه للمواطن.

واوضح المطوع ان الجهات المعنية تستطيع وضع نماذج سكن امام الشركات العقارية المطورة للمشروع، وبناء عليه يتم فرض رقابة على جودة الانجاز والتنفيذ اثناء بناء وبعده.

وقال ان فكرة طرح المشاريع عبر مناقصات وفق اشتراطات متفق عليها بين المعنيين، ومدروسة عن طريق مكاتب هندسية خبيرة، سيشكل منافع لخزينة الدولة ثم للمواطن المستهدف.

وذكر ان ثمن الشقة الذي تجاوز الـ100 الف دينار سببه عدم التقدم ولو خطوة واحدة على طريق حل المشكلة الاسكانية، الامر الذي اضطر المواطن الى اللجوء الى الاستئجار مما ترك بصمات سلبية على القيمة الايجارية في العقارات الاستثمارية افضت الى رفع اسعار الشقق حتى باتت بعيدة المنال عن احلام المواطنين، مشيرا الى ان القيمة الايجارية تجاوزت حدود استطاعة المواطن والمقيم على حد سواء.

وبين المطوع ان الاخذ بمثل هذه الافكار البنَّاءة من شأنه ان يصحح مسار الاسعار في قطاع العقار بشكل عام والعقار الاستثماري والسكني بشكل خاص، خاصة بعد ان وصلت قيمه الى حدود مبالغ فيها ومتضخمة.

الهاجري: تتطلب مناخاً تشريعياً

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لشركة اوتاد العقارية محمد حمود الهاجري إن مثل هذه الافكار تلقى نجاحا لو تم توفير المناخ التشريعي لتنفيذها، ومنع العراقيل النيابية في عملية التنفيذ.

واضاف الهاجري ان الدولة عندما تنفذ هذه الفكرة انما تفتح بابا جديدا من ابواب الدخول على خزينتها، وهي لن تخسر فلسا واحدا حين تطرح مثل هذه الافكار على بساط التنفيذ والانجاز امام القطاع الخاص، لافتا الى عدم وجود تشريع ملزم لاتحاد الملاك حول اشتراطات نماذج الشقق التي يستأجرها المواطن المحتاج لها ولا حتى مواصفات لتلك الشقق.

واكد ان المواطن مستعد للعيش في شقة وفق مواصفات جيدة ومحترمة، متسائلا: «ما المانع ان يسكن المواطن في عمارة توفر ما يتطلبه العيش الكريم للمواطن؟» ومن الممكن اضافة مغريات تجذب المواطن مثل حمام السباحة وحضانات الاطفال، مع غرفة للسائق.

وقال ان غياب التشريع المناسب لاتحاد الملاك يؤدي الى عزوف كثيرين عن الشراء في تلك الابراج السكنية، لأن الخدمات لن يؤبه لها في حال تم الانتقاص منها.

ولفت الى ان المناخ التشريع الذي يضبط ايقاع البيع والشراء والاستئجار والتأجير لاتحاد الملاك والمالكين سيغري المواطنين اكثر على ايثار السكن في مثل تلك الشقق على الانتظار على قائمة طلبات «الرعاية السكنية» التي قد تطول وتقصر وفق اعتبارات عدة.

العمر: بديل مؤقت

وعلى صعيد متصل، قال رئيس مجلس ادارة شركة رديف للاستشارات يوسف العمر ان الاسرة الكويتية قد تلجأ الى تفضيل السكن في الشقق بدلا من الانتظار في طابور الرعاية السكنية الذي قد يمتد لعقد او اكثر من الزمن حتى يتم الحصول على بيت العمر.

واضاف العمر ان الشقة لن تغني بأي شكل من الاشكال وفق فلسفة السكن عند المواطن عن امتلاك بيت العمر المستقل بالمواصفات المتكاملة.

ولفت الى ان المطلوب من الدولة ليس بناء شقق وتوزيعها على الناس او تمويل عملية امتلاكها، إنما اعطاء حلول تمويلية، فيما قد تنجح فكرة توزيع الشقق على الاسر ذات الاحتياجات الخاصة وفق نماذج معينة كبيوت الايتام او غيرها.

واكد العمر ان الحل ينطلق من معيار اولي يتمثل في طرح اراض امام القطاع الخاص وتوفير البنية التشريعية الاستثمارية المتكاملة وفق نظام الرهن العقاري، مع تقديم دعم حكومي وهو امر طبيعي معمول به في معظم البلدان التي سلكت طريق تأمين بيوت لمواطنيها.

واشار الى وجود تجربة اميركية في هذا المجال إذ قامت الحكومة هناك بتأسيس شركتين هما شركة فاني ماي وشركة فريدي ماك، تهدفان الى ايجاد حلول تمويلية طويلة الامد امام المواطن الاميركي وذلك لتحقيق الحلم الاميركي في تأمين بيت لكل مواطن.

وذكر ان كندا لديها تجربة اخرى مماثلة، ولكنها لم تتحول الى الناحية الجشعة التي وصلت اليها التجربة الاميركية، ذلك ان كندا انشأت مؤسسة كندا للرهن العقاري السكني والتي تطبق انظمة قابلة لتكون انظمة تمويلية اسلامية.

العوضي: فكرة جيدة

وبدوره، اكد الخبير في الشأن العقاري نايف العوضي ان فكرة قيام الدولة بتأمين شقق للمواطنين في العمارات الاستثمارية فكرة جيدة وانه يشجعها كونها حلا على طريق تأمين بيت لكل مواطن.

واشار العوضي الى ان النظرة الرسمية الى القطاع الخاص على انه «سارق جاء ليسرقها» ستظل هي العقبة التي تحول دون انجاز اي خطوة على طريق حل المشكلة الاسكانية مشيرا الى ان هذه الفكرة مطروحة لدى الدول المتقدمة.

وقال ان سعي الدولة لطرح افكار لحل المشكلة الاسكانية في الكويت سيظل حبرا على ورق لطالما انها لم تأخذ بعين الاعتبار ان شركات التطوير العقارية شريك نزيه يستهدف ايجاد حل للمشكلة مثلما يستهدف الربح لأنها في خاتمة الامر ليست شركات نفع عام.

وشدد على ان الحاجة ماسة الى قيام الجهات المعنية بالتمييز بين الشركات المضاربية وشركات التطوير العقاري التي تستهدف ايجاد مشروع على ارض الواقع وفق عقود مبرمة مع الجهات المالكة لذلك المشروع، لافتا الى ان اعتماد النظام العمودي يعد احد ابرز الاجراءات التي يمكن اتخاذها لحل مشكلة الاسكان.

واشار الى ان هناك رأيين في هذا المجال: الاول طرح الارض امام شركات التطوير العقاري في مناقصات تعود بالنفع على الخزينة العامة، والآخر شراء العقارات المنجزة وفق مواصفات رسمية ونماذج معتمدة من الجهات المعنية من الحكومة على ان يقوم المواطن بسداد ما عليه من التزامات او اقساط للبنك الذي يرغب في التعامل معه.

وقال إن مثل هذه الفكرة التي طرحتها «الجريدة»، ستكون ابرز الخطوات على طريق تغيير فلسفة السكن لدى المواطن، وابرز الخطوات على طريق حل المشكلة الاسكانية دون ان تتحمل الخزينة العامة ادنى تبعات.

الفرج: تخفض الأسعار

وعلى صعيد متصل، قال الخبير العقاري عماد الفرج ان ارتفاع الاسعار في الشقق السكنية او الاستثمارية طرح قبل سنين عبر تصريحات صحافية وعبر مؤتمرات وندوات تم عقدها بهذا الخصوص.

وبين الفرج ان عدم لجوء الجهات الرسمية الى ايجاد حلول سريعة للمشكلة الاسكانية سيخلق مشكلة في القيمة الايجارية للعقارات الاستثمارية التي ستصبح مقصد المواطنين والوافدين على حد سواء بعد عسر الطريق للوصول الى بيت العمر.

ولفت الى ان الفكرة التي تطرح اليوم حول قيام الحكومة بتأمين الشقق للمواطنين كحل بديل لبيت العمر هي خطوة ستكبح جماح الاسعار بالنسبة للعقار الاستثماري الذي تجاوزت قيمة الشقة فيه الـ160 الف دينار بينما كان سعرها قبل سنوات 60 الف دينار في احسن الحالات.

وقال ان المواطن اضحى يرضى بما هو موجود ويتلاءم مع وضع عائلته وعدد افرادها مؤثرا هذه الشقة على صغرها وقلة خدماتها على الانتظار في قائمة طلبات «الرعاية السكنية».

بدر المطوع: جزء من الحل

ومن ناحيته، اكد مدير عام مؤسسة عبدالكريم المطوع العقارية بدر المطوع ان هذه الفكرة تشكل جزءا من الحل لا حلا جذريا للمشكلة، مشيرا الى ان الفسلفة الاسكانية لدى المواطن لم تتغير ولن تتغير بسهولة.

وقال المطوع ان اسعار الشقق هذه الايام ليست حقيقية، وكذلك اسعار الاراضي، مبينا ان سعر قطعة الارض في بعض المناطق، بمساحة 400 م2 قد وصل الى 500 الف دينار، وهي اسعار خيالية.

وذكر ان هناك حلولا افضل من هذه الفكرة فيما لو ارادت الجهات المعنية اتخاذها كقاعدة لانطلاقتها نحو ايجاد حل جذري للمشكلة الاسكانية وليس حلولا اسعافية او تأجيلات لا تسمن ولا تغني من جوع.

ولفت الى ان الجهات الرسمية المعنية تستطيع طرح نماذج من السكن امام شركات التطوير العقاري تلزمها بها وفق مواصفات معينة تليق بحياة كريمة للمواطن.