مواعيد المسلمين ومواعيد «الناس الثانية»
عندما اختُرِعت الساعة، ولا أصدق أن الذين اخترعوها حقاً هم العرب والمسلمون، خصوصاً أنه من المفترض أنهم اخترعوها لحاجتهم إليها، لتدلهم على الوقت، وإلا فلماذا أتعبوا مخهم وقاموا من سباتهم العظيم وشغّلوا ذلك الجهاز العبقري عقلهم؟! أكيد لكي يجدوا شيئاً يستدلون به على الوقت وكيفية مروره.بعد أن قال العرب إنهم اخترعوا الساعة الرملية، قام الغرب (الذين هم الناس الثانية هنا) باختراع شيء يسمى الساعة، باختلاف طرقها الإلكترونية والعادية، وهي آلة تدل على احترام الوقت وتنظيمه، وليست إكسسواراً يتنافس به بنو يعرب ومن يلبس أغلى ممن؟ المهم... هل اتفقتم مرة أيها القراء على موعد مع أحدهم أو اتصل أحدهم، وقال إنني سأزوركم، وحدد توقيته بـ "بعد الصلاة"، أي صلاة الظهر أو العصر أو العشاء مثلاً؟ هذه الجملة الشهيرة "بعد الصلاة" التوقيت الذي يدمر مواعيد البشر... أنا لا أنتقص من مواعيد الصلاة، حاشا لله... ولكن أن يعدك أحدهم بأنه سيأتي بعد صلاة الظهر مثلاً، فهو وقت "مفتوح جداً"، فالمدة بين صلاتَي الظهر والعصر تمتد إلى ثلاث أو أربع ساعات حسب الفصل.
طيب: هل تراءى لكم أن شخصاً حدد لكم موعداً وأحرق من يومكم المفعم بالمسؤوليات والمشاغل أربع أو ثلاث ساعات دون أن يحدد بعد كم إِثر الصلاة، ساعة... ساعتين... ثلاث؟ لا ندري! هو توقيت والسلام، سيصلي ويأتي ولينتظر من صلبناه في بيته وألغى كل مواعيده المهمة، سواء كان الطبيب الذي يحدد موعده بالساعة والدقيقة، أو اجتماعاً مهماً محدداً بالساعة والدقيقة، أي موعد يحدد بالساعة الدقيقة، لكن الزائر الكريم الذي قرر أن توقيته بعد الصلاة أحرق كل المسافات والزمن... إننا - بني يعرب- لا نعرف أي احترام للوقت، فليمضِ الوقت كيفما شاء، لن تطير الدنيا، هذه أعذارنا.الذي يتأخر عن عمله لأنه لا يرضى أن يصحو مبكراً ليرحم أمة المسلمين من زحمة الشارع الذي قرر هو أن يتخذه سبيلاً للوصول إلى عمله متأخراً، ويؤذي عباد الله ويلف ويدور في الشارع ويصرخ ليفتح له أحدهم الشارع، لأنه نهض متأخراً، فيجب أن ينطلق كالصاروخ في شارع مزدحم، هو لا يحترم الإكسسوار الذي يتفاخر به في معصمه المسمى ساعة. أما الناس الثانية، فهم من صنعوا لنا هذه الإكسسوارات الجميلة، الساعات، فهم يقدسون الذي صنعوه... الوقت.هناك من عاش في بلاد الغرب سنواتٍ، وهناك من زارها زيارات قصيرة، رأى العجب العجاب، كل شيء يُحسَب بالدقائق والثواني، الباص الذي يمر عند محطته كل خمس دقائق هي خمس دقائق حقيقية، وليست خمساً وعشرين، وليست خمسين، عندما يعطي لك الغربي موعداً بالساعة المعينة تجده يقف عند الباب قبلها بخمس دقائق حرصاً على عدم تضييع وقتك، ولا يصلبك منتظراً ساعاتٍ، وعندما يطرأ عليه طارئ يتصل للاعتذار... بنو يعرب يضربون عرض الحائط بانتظارك لهم، إذ بعد انتظار طويل قد يقرر أنه لن يحضر ولا يتصل بل يتركك معلقاً لا تدري هل سيحضر عرقوب أم لا؟!هذا هو الفرق بينا وبين الناس الثانية، نعم هم "ناس ثانية" لا علاقة لهم بنا من قريب أو بعيد، فقط هم لهم نفس الخلايا التي خُلِقنا بها، أما عن باقي التفاصيل فلن أتحدث.والغريب أن بني يعرب عندما يذهبون إلى ديار "الناس الثانية" يحترمون الوقت ويمشون على قوانين تلك الدول، لكنهم عندما يعودون يسلكون سلوك بني يعرب مرة اخرى! إذن كيف سنتغير؟! ودمتم بخير.