الفساد ينخر الجيش العراقي ويهدد الحرب مع «داعش»

نشر في 25-11-2014 | 00:01
آخر تحديث 25-11-2014 | 00:01
No Image Caption
ضباط يبيعون السلاح والأغذية... وآخرون يحصلون على رواتب جنود وهميين
في تقرير يسلط الضوء على الفساد داخل صفوف الجيش العراقي، حاولت صحيفة «نيويورك تايمز» رصد الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انهيار الجيش العراقي والقوات الأمنية، بعد هجوم «داعش» على الموصل في يونيو الماضي، وانعكاسات هذا الفساد على المعركة الدائرة حالياً مع التنظيم.   

كتبت صحفية «نيويورك تايمز»، أمس، تقريراً نشرته على صدر صفحتها الأولى تطرق الى الفساد المستشري في صفوف الجيش والشرطة في العراق وانعكاساته المحتملة على مكافحة تنظيم «داعش».

«الدجاج والدفتر»  

وأشارت الصحيفة في تقريرها الى أن لواء عراقياً يُعرف بأنه «رجل الدجاج»، لأنه يبيع جنوده مخصصات الجيش من الدواجن، والآخر يُعرف بأنه «رجل العرق» بسبب عادته في تناول مشروب العرق الكحولي خلال الخدمة، ويُعرف ثالث بأنه «رجل الدفتر» (يطلق العراقيون على الـ 10 آلاف دولار اسم دفتر)، لأنه يمنح توصيات لتعيين ضباط مقابل عمولة، مضيفة أن هذه بعض أوجه الفساد المستشري في صفوف القوات العسكرية العراقية من جيش وشرطة، وفقاً لضباط ونواب عراقيين وكذلك مسؤولين أميركيين.

نهب منظم

وتوضح الصحيفة أن الجيش والشرطة في العراق تعرضا لنهب منظم من قيادتهما الفاسدة، وهذا ما أوصل الى الانهيار الواسع أمام تقدم متشددي «داعش» في الربيع المنصرم، على الرغم من أن هذه القوات تلقت تدريبات ومعدات بقيمة 25 مليار دولار من واشنطن على مدى السنوات الـ 10 الماضية، إضافة الى مبالغ تفوق هذه دفعتها الحكومة العراقية.

تسليح العشائر

وتعتبر الصحيفة أن هذا النهج الذي يقوم على الفساد والمحسوبية يهدد بتقويض الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لطرد تنظيم «داعش»، وخصوصا في موضوع تسليح العشائر.

وتلفت الى إصرار واشنطن على اعتماد الجيش العراقي كقناة وحيدة لإيصال أي مساعدات عسكرية أميركية الى أرض المعركة مع «داعش»، بما في ذلك الأموال والأسلحة التي تنوي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تخصيصها لمقاتلي العشائر السنية.

ويطالب العديد من شيوخ العشائر السنية الذين لا يشعرون بالثقة تجاه الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، الولايات المتحدة بمدهم بالأموال والسلاح مباشرة، كما فعلت خلال مرحلة «الصحوات» التي قاتلت «القاعدة» قبل سنوات. ولكن هذه المطالب تصطدم بالرفض من مسؤولين شيعة في الحكومة يعتبرون أنها ستشكل انتهاكا للسيادة وتشجيعا للانقسامات المذهبية.

وكانت وزارة الدفاع (البنتاغون) طلبت في ميزانية العام 2015 نحو 1.3 مليار دولار لتوفير أسلحة للجيش العراقي، وحوالي 25 مليون دولار للعشائر.

أسلحة وصلت إلى «داعش»

وتؤكد الصحيفة أن بعض الأسلحة التي تم تزويد الجيش العراقي بها أخيراً وصلت بالفعل الى «داعش» من خلال السوق السوداء، وأن الحكومة الأميركية وجهت استفساراً الى نظيرتها العراقية بشأن هذا الأمر.

«الجنود الأشباح»

وتنقل الصحيفة عن نواب وضباط عراقيين قولهم إن رواتب الجيش والشرطة لاتزال تتضخم بسبب «الجنود الأشباح» وهؤلاء عبارة عن جنود وهميين يحصل الضباط على رواتبهم أو في أحسن الأحوال يسجلون أسماءهم في الجيش، ولكنهم لا يحضرون الى العمل ويقتسمون الراتب مع الضابط.

سرقة السلاح وبيعه

ويقوم المسؤولون العسكريون بسرقة أسلحة ومعدات. ويقول العقيد في قوى الشرطة شعبان العبيدي، وهو أيضاً قيادي عشائري سني في منطقة الأنبار: «لقد قلت للأميركيين لا تسلموا ولو قطعة واحدة من السلاح الى الجيش العراقي، لأن الفساد مستشر في كل مكان»، مضيفاً: «شعبنا سيسرق هذه الأسلحة».

ويضيف العقيد العبيدي: «إذا كان مقرراً أن يحصل كل جندي على 100 رصاصة، فهو سيتلقى بالفعل 50 رصاصة فقط، والـ 50 الأخرى سيأخذها الضابط ويبيعها»، ويضيف بحسرة وسخرية، عارضاً مسدساً من طراز «غلوك» نمساوي الصنع أنه «لو زود الجيش العراقي بهذا المسدس، لكان الضباط تقاسموا فوهة المسدس بينهم».

العبادي والإرث الثقيل

وتقول الصحيفة إن «رجل الدجاج» ما هو إلا قائد عمليات الأنبار، اللواء رشيد فليح، و»رجل العرق» ما هو إلا القائد العسكري في سامراء، اللواء صباح الفتلاوي، المقرب هو وشقيقته النائبة حنان الفتلاوي من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، و»رجل الدفتر» ما هو إلا القائد العسكري للموصل مهدي الغراوي، مضيفة أن هؤلاء تمت إقالتهم على يد رئيس الحكومة الحالية حيدر العبادي، الى جانب اللواء حاتم المغسوسي قائد مخابرات الجيش، والمتهم بتلفيق تهم الإرهاب لكل معارضي المالكي السياسيين. وتضيف أنه لم يتم توجيه التهم الى أي من هؤلاء.

ويقول مراقبون إن جزءا من المشكلة هو أنه لم يحاسب أي من المرتكبين في الجيش خلال السنوات الـ 11 الماضية، رغم تصاعد الفساد الى مستويات غير مسبوقة. وترفع تقارير الفساد الى رئيس الحكومة، وهذا الأمر تحول الى مجرد أداة بيد رئيس الحكومة لمعاقبة عارضيه ومنافسيه.

أخطر من الإرهاب

ويقول النائب صلاح المطلك، عضو لجنة الدفاع البرلمانية إن «الفساد داخل الجيش هو الإرهاب الحقيقي» ويضيف: «بل هو أكثر خطورة من الإرهاب».

من ناحيته، يقول النائب الشيعي عامر طعمة، وهو أيضاً عضو في لجنة الدفاع إن «عددا قليلا فقط من قيادات الجيش ليس فاسداً».

 ويتحدث النائب السني طلال الزوبعي عن شراء رتب في الجيش وعن قهر المدنيين وسرقة الأموال والحصول على رواتب لجنود وهميين، مضيفاً أن الإقالات التي قام بها العبادي ليست كافية، ويضيف: «يجب إعدامهم، لقد دمروا العراق»، ويؤكد أن «مهمة المستشارين الأميركيين لن تنجح في ظل كذب القيادات العسكرية العراقية».

المالكي والخراب

ويصر مسؤولون عسكريون أميركيون على أن الجيش العراقي كان في حال جيدة عند الانسحاب الأميركي من البلد في عام 2009. ويقول الكولونيل الأميركي جويل رايبيرن الذي يدرس في معهد الدفاع الوطني الأميركي، وعمل مع الجيش العراقي خلال فترة الوجود الأميركي في العراق إن التعاطي مع مسألة الجنود الأشباح أو الوهميين كان سهلا، حيث يمكن بسهولة ملاحظة غياب جنود عن كتائبهم القتالية، أما في الشرطة فالموضوع أصعب.

ويضيف رايبورن إنه منذ وصول المالكي الى السلطة وتحكمه في مفاصل الجيش عبر التعيينات استنزف الجيش عبر سيطرته على كل الأموال المخصصة له، ويضيف أن السؤال كان يوجه الى أهالي الخريجين الذين يريدون الانضمام الى الجيش: «تريد أن يحصل ابنك على توصية (واسطة)، أم تريده أن يذهب الى المدرسة الحربية؟» ومن ثم يُعرض عليهم دفع مبلغ معيّن مقابل تعيينه فوراً في الجيش.

ويؤكد النائب طعمة أن الإفلات من العقاب أمر مضمون، فإذا أردت أن تعاقب ضابطا سرق فستصطدم بأنه محمي سياسيا من قوى داخل الحكومة، وبالتالي لا يمكنك فعل أي شيء»، ويضيف أن «الأمر سيكون مدمراً بالنسبة لجندي يخاطر بحياته لمواجهة مقاتلي داعش، ولا يحصل على أي راتب أو دعم خلال شهور، وهو يرى قياداته تسرق الأموال المخصصة له».

(نيويورك تايمز)

back to top