مصر تدفن الشكوك

نشر في 22-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 22-03-2015 | 00:01
 ياسر عبد العزيز جاء الحضور الدولي في مؤتمر دعم الاقتصاد المصري أكبر من أي توقع، كما أن الكلمات التي تم إلقاؤها من قادة وزعماء كبار أكدت بما لا يحتمل التأويل أن مسار «30 يونيو» بات جزءاً من حقيقة الأوضاع، وأن دول العالم المختلفة ستتعامل مع هذا المسار بالاحترام الواجب، وستبادله المصالح، وستمتنع عن وضع العصي في دواليبه.

مرت مصر خلال الأسبوع الماضي بأوقات مثيرة، ربما لم تشهد مثلها منذ عقود طويلة؛ فقد استضافت مدينة شرم الشيخ، في جنوب سيناء، نحو أربعة آلاف زائر، بينهم ملوك ورؤساء وقادة ومخططون ورجال مال وأعمال ومئات الصحافيين والإعلاميين.

جاء هؤلاء جميعاً إلى مصر ليشاركوا في مؤتمر دعم الاقتصاد المصري وتنميته، لكن لتلك المشاركة دلالة أخرى لم تعد خافية على أحد؛ فقد كانت تلك الوفود شاهدة أيضاً على مراسم دفن شكوك عديدة لطالما أرّقت الدولة المصرية والكثير من حلفائها وأصدقائها على مدى السنوات الأربع الفائتة.

منذ الارتباك الذي ضرب مسار "ثورة 25 يناير"، مع وصول الإسلاميين إلى السلطة، وبدء تفعيل خطتهم لخطف الدولة، وإقامة فاشية دينية ذات نزعة إقصائية، تصاعدت الشكوك في قدرة تلك الدولة على الحفاظ على ركائزها الصلبة.

وكان الحديث يتصاعد أحياناً ويخفت أحياناً أخرى حول إمكانية تقويض أركان الدولة، والتحول إلى حالة من الفوضى، مع انفراط عقد المؤسسات الصلبة، وعلى رأسها مؤسسة الجيش.

كان مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، الذي عقد في الفترة من 13 إلى 15 مارس، بمنزلة مراسم الدفن لأي شك في قدرة الدولة على تعزيز اليقين في وجودها، وقدرة مؤسساتها الصلبة على النهوض بواجباتها في تحقيق الاستقرار وفرض السيادة والاحتفاظ بالقدرة على التصرف الفعال في كل الأوقات ومهما احتدمت الأزمات.

كانت الشكوك تتصاعد أيضاً في الآونة الأخيرة حول تماسك التحالف المصري- الخليجي الذي حافظ على نجاح مسار "30 يونيو"، وحال دون عزل الدولة المصرية أو الضغط عليها لتفجيرها من الداخل لمصلحة تنظيم "الإخوان" وبعض الجماعات الإسلامية الأخرى.

وتحدثت تقارير عديدة عما أسمته آنذاك "فتوراً سعودياً- مصرياً" في أعقاب وفاة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وتولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، واتخاذه بعض الإجراءات التي هدفت إلى ترتيب البيت السعودي من الداخل، وهي الإجراءات التي راح البعض يفسرها، ربما تمنياً، بأنها تصب في مراجعة العلاقات مع مصر، والابتعاد خطوة عن نظام الرئيس السيسي، والاقتراب من بعض المواقف الإقليمية المناوئة له.

وتزامنت هذه التقارير مع تسريبات مزعومة من مكتب الرئيس السيسي حين كان وزيراً للدفاع، قيل إنها أساءت إلى العلاقات مع السعودية ودول الخليج، وتلقفتها القنوات الفضائية التابعة لتنظيم "الإخوان" وراحت تروج أنها بمنزلة "إعلان فض التحالف الخليجي- المصري".

لكن الحضور الطاغي للجانب الخليجي في مؤتمر شرم الشيخ، والتمثيل الرفيع للدول الخليجية فيه، والمنح والمساعدات والاستثمارات التي تم الإعلان عنها دفنت تلك الشكوك.

فقد حضر أمير الكويت، وملك البحرين، وولي عهد السعودية، ونائب رئيس دولة الإمارات، وتعهدت الكويت والسعودية والإمارات بتقديم حزم مساعدات تبلغ أربعة مليارات دولار من كل دولة، بمجموع يبلغ 12 ملياراً، يضاف إليها 500 مليون دولار تعهدت بها سلطنة عمان، في تصرف نادر من هذا البلد منذ اندلاع أحداث التغيير في مصر مطلع العقد الجاري.

أما الكلمات التي تحدث بها الشيخ صباح، والأمير مقرن، والشيخ محمد بن راشد فقد كانت تأكيداً لا يقبل أي دحض على متانة العلاقات المصرية مع تلك الدول الثلاث، وعلى مضيها قدماً في قرارها الاستراتيجي لمساندة مسار "30 يونيو"، وهو القرار الذي كانت له تداعيات عديدة، وكان له الأثر الأكبر في صلابة هذا المسار وقدرته على تجاوز التحديات الخطيرة التي واجهته.

لم تكن تلك هي كل الشكوك التي تم دفنها في منتصف الشهر الجاري في شرم الشيخ، لكنّ ثمة شكوكاً أخرى تم القضاء عليها تتعلق بقدرة مسار "30 يونيو" على التأهل على المستوى الدولي، والخروج من حالة العزلة التي حاول بعض الأعداء والمناوئين فرضها عليه.

إن الحضور الدولي في هذا المؤتمر كان أكبر من أي توقع، كما أن الكلمات التي تم إلقاؤها من قادة وزعماء كبار أكدت بما لا يحتمل التأويل أن مسار "30 يونيو" بات جزءاً من حقيقة الأوضاع، وأن دول العالم المختلفة ستتعامل مع هذا المسار بالاحترام الواجب، وستبادله المصالح، وستمتنع عن وضع العصي في دواليبه.

سيتذكر كثيرون الآن الأحاديث المتواترة عما سُمي بـ"المصالحة" في مصر، و"ضرورة عدم إقصاء أي تيار"، عشية عقد المؤتمر الاقتصادي.

لقد وردت تلك الأحاديث على لسان أردوغان مثلاً، الذي تزامنت زيارته الأخيرة للسعودية مع زيارة الرئيس السيسي، حيث عاد الزعيم التركي إلى بلاده ليخبر الصحافيين بأن "الأوضاع لا يمكن أن تستمر في مصر على الوضع الراهن"، وأن "السعودية صاحبة تأثير كبير في مصر ويمكنها أن تتخذ موقفاً يقلب الأوضاع في هذا البلد"، وأن "مصر تريد مصالحة مع تركيا... لكن هذا أمر له شروط".

وبموازاة تلك الأحاديث راحت وسائل الإعلام التابعة لـ"الإخوان"، وبعض الشخصيات العامة المتعاطفة معهم، في طرح أفكار حول "المصالحة مع النظام الذي يريد حلاً سياسياً للتفجيرات الإرهابية"، التي يقوم بها أنصار "الإخوان" يومياً في مناطق مختلفة من البلاد.

لقد جاء مؤتمر شرم الشيخ ليدفن الشكوك في قدرة الدولة على مواجهة آثار تلك التفجيرات الإرهابية، وقدرتها على فرض سيادتها، ومواجهة الإرهابيين، وعدم الذهاب إلى تنازل سياسي تحت اسم "مصالحة" مع "الإخوان".

لن تكون الحكومة المصرية بحاجة إلى بحث سبل "المصالحة" أو الاستجابة لابتزاز "الإخوان" وحلفائهم بعد هذا المؤتمر، ولن تكون بحاجة إلى السكوت على تطاول بعض العواصم التي تدس أنفها في الشأن الداخلي المصري بتبجح واستعلاء.

لقد كان مؤتمر شرم الشيخ بمنزلة مراسم دفن رسمية للشك في قدرة الدولة المصرية على تفعيل "خريطة الطريق" التي تمخض عنها مسار "30 يونيو".

ليس هذا وقت الاحتفال بطبيعة الحال، وإن كان وقت الشعور بسلامة المسار، واليقين بضرورة الاستمرار على ذات المنوال.

* كاتب مصري

back to top