ربما كان ضرورياً انعقاد اجتماع باريس، الذي التأم أمس بحضور العديد من ممثلي الدول المعنية لاتخاذ موقف "جدّي" من "داعش"، بعدما فشلت كل محاولات التصدي له، باستثناء ما جرى في عين العرب (كوباني)، وباستثناء ما قامت به قوات "البيشمركة"، في العديد من جبهات المواجهة في مناطق عراقية متعددة متاخمة لإقليم كردستان العراقي، الذي يتمتع بحكم ذاتي وأكثر منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي.

Ad

والمفترض أن الذين التقوا أمس في باريس قد اتفقوا قبل كل شيء على أن مواجهة "داعش" لم تكن في حقيقة الأمر جدية، مع أنه لا يمكن إنكار أن العمليات الجوية التي نفذتها قاصفات ومقاتلات التحالف الدولي قد ألحقت بهذا التنظيم خسائر فعلية وحقيقية، لكنها لم تلحق به الهزيمة النهائية التي كان ينتظرها الذين راهنوا على إمكانية التخلص مما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية" خلال أشهر قليلة.

وبالطبع فإنه كان معروفاً أن القصف الجوي قد يمهد لحسم المعركة وأي معركة، لكن المؤكد -خاصة بالنسبة إلى حالة كحالة "داعش"- أنه لا يمكن الانتصار على هذا التنظيم الإرهابي من دون قوات برية فاعلة، حيث إنه، أي هذا التنظيم، ينتشر بصورة عامة في مدن كبرى مثل الرقة والموصل والرمادي، وحيث إنه يحارب حرب عصابات، وحرب العصابات، كما هو متفق عليه، لا يمكن حسمها من دون قوات خاصة، ومن دون "مغاوير" ووحدات مشاة تتقن حروب الشوارع وحروب المدن المكتظة.

ولا يمكن إنكار أن العمليات الجوية قد أربكت هذا التنظيم، وألحقت به بعض الخسائر الفعلية، لكن ما أصبح مؤكداً هو أن الولايات المتحدة لم تستخدم كل إمكاناتها على هذا الجانب، فعضو مجلس الشيوخ الأميركي عن الحزب الجمهوري، جون ماكين، قال في تصريحات سابقة، أيدت ما جاء فيها صحف أميركية كبرى: إن 75 في المئة من الغارات الجوية كانت تعود بحمولتها كاملة، والسبب أنها بقيت تفتقر إلى التوجيه الأرضي وتحديد الأهداف التي من المفترض قصفها.

لقد كان ضرورياً أن ينعقد اجتماع باريس، الذي كان من المفترض أن يحضره الجنرالات العسكريون ليقولوا رأيهم في الأسباب التي حالت دون إحراز نصر فعلي على هذا التنظيم الإرهابي، لكن مع ذلك فإن هذا الاجتماع الضروري إن هو لم يحدد أسباب عدم القدرة على إنهاء "داعش"، وإن لم يحدد ما إذا كان هناك تعاون غير معلن بين ما يسمى الدولة الإسلامية وإيران، وبينه وبين نظام بشار الأسد، فإن النتيجة ستكون صفراً مربعاً، وستنتقل الأمور من السيئ إلى الأسوأ.

لم يعد هناك مجال للمراوغات وتجنب قول الحقائق، التي كانت مكشوفة ومعروفة منذ البدايات، فقد ثبت أن النظام السوري وبمعرفة إيران وبتخطيطها قام بتسليم مدينة الرقة، ولاحقاً مدينة تدمر لـ"داعش"، وهذا هو ما حصل في الموصل، وفي الرمادي والأنبار، ويحصل الآن على الحدود السورية - التركية بالقرب من حلب.

إن هناك عملية تسلم وتسليم من قبل بشار الأسد بمعرفة وتخطيط إيران لهذا التنظيم، وهنا فإن المفترض أن الذين التقوا أمس في باريس يذكرون ذلك الشعار الذي رفعه حاكم دمشق في عام الثورة (2011)، والقائل إن "الخيار الوحيد هو إما أنا وإما الإرهاب"!