غياب الدقة في السياسة النقدية الصينية
في وسع حكومة بكين عمل المزيد إزاء السياسة المالية، وخطوات الحد من تجميع الديون البلدية تسهم في تشديد المسار المالي في وقت يجب أن تعمل الاستثمارات العامة على زيادة النشاط لتعويض النقص في الاستثمارات الخاصة.
يندر أن تتسم السياسة النقدية الصينية بالدقة والوضوح، وينسحب ذلك على خفض معدلات الفائدة في الأسبوع الماضي، وهذه الخطوة وهي الثالثة حول تخفيف الإجراءات النقدية خلال أكثر من ثلاثة شهور تؤكد أن الصين تسير نحو التيسير بصورة ثابتة، ولكن من خلال خفض خطواته أصر البنك المركزي الصيني على أن إجراءاته تتسم بالحكمة والعقلانية، وهو التعريف ذاته الذي أطلقه قبل أربع سنوات على موقف سياسته، مشيراً إلى أنها ليست فضفاضة ولا متشددة، وذلك على الرغم من أن المؤشرات الأولى توحي بالتشدد، وتنطوي اللغة المستخدمة على أهمية خصوصا عندما تصدر عن مصرفيين مركزيين؛ ولذلك يتعين النظر باهتمام الى ما يقوله حاكم المصرف المركزي الصيني.وثمة 3 نقاط تبرز في هذا الصدد:الأولى هي أن توجهاً واضحاً من التساهل تتصف به السياسة الاقتصادية الصينية في الوقت الراهن، والبنوك المركزية لا تتصرف مطلقاً بصورة منعزلة، وينسحب هذا بشكل أشد على الصين حيث يتعين أن تحظى القرارات النقدية المهمة، بما في ذلك خفض معدلات الفائدة، بموافقة مجلس الدولة أو الحكومة. وبصورة طبيعية يفترض في خفض معدلات الفائدة أن تفضي إلى تحريك المزيد من الإقراض مع هبوط تكلفة التمويل، أما في الصين فإن معدلات الفائدة ليست العنصر الرئيسي الذي يحدد نمو الائتمان بل الرقابة المباشرة على الإقراض التي تفرضها جهات التنظيم على البنوك التجارية، والتي تتصف بأهمية أكبر. وكانت حكومة بكين رفعت بصورة تدريجية كمية الأموال التي يسمح للبنوك بإقراضها، ويتعين أن يتجاوز الرقم عشرة تريليونات يوان، أي ما يعادل 1.6 تريليون دولار في هذه السنة، وهي زيادة عن الرقم القياسي للعام الماضي الذي بلغ 9.8 تريليونات يوان. وعلى أي حال، وفي الوقت ذاته، تم تشديد خطوات الإقراض بصورة دراماتيكية، وكانت النتيجة حدوث تباطؤ ثابت في نمو الائتمان الإجمالي، وهذا الإجراء الذي يعرف باسم "التمويل الاجتماعي الإجمالي" هبط من 17.3 في المئة محسوباً على أساس زيادة سنوية في شهر يناير من عام 2014 الى 13.5 في المئة في شهر يناير الماضي.تباطؤ تدريجيوالثانية هي أن البيئة التي تحدد السياسة النقدية في الصين قد تغيرت بصورة دراماتيكية خلال السنة الماضية، وكان التباطؤ في النمو الاقتصادي تدريجي الطابع، وهبط من 7.7 في المئة في سنة 2013 الى 7.4 في المئة في السنة الماضية، ولكن ذلك ليس الجانب الأكثر إثارة للقلق، وقد شدد البنك المركزي الصيني في إعلانه خفض معدلات الفائدة على أنه يركز على الهبوط الحاد في معدل التضخم الذي أفضى الى زيادة في التكلفة الحقيقية للتمويل (انظر الرسم البياني المرفق)، وقد هبط تضخم أسعار المستهلك المتوسط 170 نقطة أساس منذ بداية الربع الأخير من العام الماضي، في حين هبطت معدلات الإقراض بـ20 نقطة أساس فقط، بحسب تقديرات وانغ تاو من بنك يو بي إس السويسري.أزمة الائتمان وكانت النتيجة تشديد تكلفة الإقراض الحقيقية بأكثر من نقطة أساس واحدة، حتى مع تراجع الأرباح الصناعية، ومن هذه النقطة المتقدمة فإن خفض معدلات الفائدة يتعلق بشكل حقيقي باستعادتها الى مستويات معقولة بقدر أكبر وليس من قبيل التيسير بالمعنى الصحيح. وبالمثل مع تصاعد تدفق رأس المال الى الخارج بصورة متزايدة في الشهور القليلة الماضية فإن الخفض المتعلق بنسب احتياطيات البنوك (وكان الأول قد بدأ في مطلع شهر فبراير ومن المتوقع حدوث المزيد في ما بعد) يجب أن يعتبر خطوة من أجل الحفاظ على السيولة في النظام المالي وليس لزيادة تلك السيولة على أي حال.تفادي الأزمةوأخيراً، صممت الحكومة الصينية على تفادي أزمة الائتمان التي حدثت في سنة 2009 وكانت الرسالة في ذلك الوقت هي وجوب عمل ما يلزم من أجل منع التباطؤ في النمو، وقد فقدت الحكومات المحلية والمشاريع المملوكة للدولة والبنوك كل سبل الحظر، واندفعت نحو تجميع الديون من أجل السعي وراء التعافي الاقتصادي من خلال الاستثمار، وبدأ استحقاق تلك الفواتير الآن، حيث وصلت أعباء الديون الصينية الإجمالية (العامة والخاصة) الى نحو 250 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي بارتفاع بلغ 100 في المئة في خمس سنوات.ومع محاولة الشركات والبلديات خدمة مسؤولياتها القانونية الحالية لا تشعر برغبة لأخذ المزيد، كما أن الحكومة تريد إبقاء تلك الجهات في وضع سليم وضيق، وذلك عن طريق التحدث بصورة متكررة عن نمو أكثر بطئاً وسياسة نقدية حكيمة.مكافحة التباطؤ الاقتصاديوعلى الرغم من ذلك فإن هذا يطرح السؤال حول جهود المسؤولين الصينيين لمكافحة التباطؤ الاقتصادي وضغوط هبوط الأسعار، حتى مع خطوات التيسير المتعددة فإن تكلفة الأموال تظل عالية جداً، وقد وصلت معدلات الفائدة بين البنوك في الآونة الأخيرة لمدة أسبوع إلى 4.7 في المئة محسوبة على أساس سنوي، مرتفعة بنحو 150 نقطة أساس عن بداية دورة التيسير في أواخر شهر نوفمبر الماضي.وفي وسع حكومة بكين عمل المزيد إزاء السياسة المالية، وخطوات الحد من تجميع الديون البلدية تسهم في تشديد المسار المالي في وقت يجب أن تعمل الاستثمارات العامة فيه على زيادة النشاط من أجل التعويض عن النقص في الاستثمارات الخاصة، وفي السنة الماضية استهدفت تحقيق عجز بنسبة 2.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وسوف يتعين عليها رفع النسبة الى 3 في المئة في هذه السنة.