مجرد تساؤل، ولا ضرورة للإجابة عنه، وهذا التساؤل هو: هل تكمن بذرة ما يجري الآن في اليمن في مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي وقّعها علي عبدالله صالح متردداً، وهو يبتسم ابتسامة خبيثة، حيث قال لاحقاً وهو يقصد التركيبة التي على رأسها الرئيس الحالي المحاصر عبدربه منصور هادي: إذا استطاعوا أن يحكموا فليحكموا... وسنرى؟!

Ad

كان علي صالح، كما ثبت لاحقاً، قد قرر إدخال اليمن (الجديد)، يمن ما بعد تَنحِّيهِ، تحت ضغط مبادرة مجلس التعاون الخليجي في هذه الدوامة التي يعيشها الآن، والحقيقة أنه كان على كل المعنيين بهذا الأمر، وأولهم المبعوث الدولي جمال بن عمر، أن يدركوا أن "طبخة" تنحية الرئيس السابق ستكون نتائجها وخيمة مادام الجيش السابق ومعه كل الأجهزة الأمنية قد بقيت على ما هي عليه، وما دام "العهد الجديد" بقي عاجزاً عن إحداث أيِّ تغييرات في الوضعية السابقة، وما دام أن (الرئيس) هادي بقي من دون صلاحيات رئاسية حقيقية، وبقي مجرد: "خليفة في قفصٍ"، ولا حول له ولا قوة!

أسوأ ما في المبادرة الخليجية، التي من المعروف أنها ماتت سريرياً منذ الأيام الأولى، وأن "الطبيب" الدولي جمال بن عمر لم يستطع أنْ يقدم لها حتى ولو حبة "إسبرين" مسكنة، هي أنها أقصت علي صالح عن السلطة والحكم، لكنها أرسلته إلى صنعاء، وأبقت على كل مراكز القوة، سواء في الجيش أو في الأجهزة الأمنية، أو في مفاصل الدولة الأخرى بيده وبأيدي أبنائه وأقاربه وكل "المستفيدين" من نظامه، وعلى ما كانت عليه دون إحداث أي تغيير حقيقي وفعلي على الإطلاق!

إنَّ المفترض ألَّا يعود علي صالح إلى اليمن، وألَّا يُسمح له بالاحتفاظ بموقعه على رأس الحزب الحاكم الذي هو حزبه، من الألف إلى الياء، كما أن المفترض أن يتم تجميد أمواله وأموال أبنائه وأقاربه، ولو مؤقتاً، والمفترض أيضاً أن يتم تغيير قيادات الجيش والأجهزة الأمنية، وألَّا تبقى الدولة اليمنية على ما كانت عليه قبل التوصل إلى المبادرة الخليجية.

وهل كان صحيحاً يا تُرى أنْ يقبل مجلس التعاون الخليجي باشتراطات صالح، وأن تُستبعد قطر من هذه المبادرة ومن خطوات تطبيقها؟!

وأيضاً هل كان صحيحاً أن يُسْتَبعدَ الحوثيون من هذه العملية، بينما المعروف أنهم - بدعم إيران ومساندة حزب الله وتواطؤ الرئيس السابق - قد أصبحوا قوة رئيسية في اليمن.. وبينما المفترض أنه كان معروفاً أنهم سيعودون إلى التحالف مع الرئيس "المطاح"، الذي ثبت بعد كل هذه التطورات أنه الآن الرقم الرئيسي في هذه المعادلة الجهنمية اليمنية الجديدة؟!

لقد كان بالإمكان حل عقدة اليمن بالأصابع التي غدت عصية على الحل حتى بالأسنان، فقد سبق السيف العذل، كما يقال، فما فاتَ فات وكل ما هو آتٍ آت.

 لقد أصبحت إيران تتحكم بمصير هذه الدولة العربية أيضاً، بعدما تحكمت بمصير العراق وسورية ولبنان.

 إن اليمن لم يعد هو اليمن السابق، والطامة الكبرى أن الجنوبيين أصبحوا أكثر إصراراً على العودة إلى "تشطير" ما قبل وحدة عام 1990، ولكن على أساس شطب حكاية اليمن الجنوبي من أساسها، والاستعاضة عنها بدولة "الجنوب العربي"، وعلى أساس أنهم غير يمنيين، وأن الجمهورية العربية اليمنية دولة شقيقة، مثلها مثل كل الدول العربية المجاورة والمتاخمة!