«الحريم» اسم قد يكون مستهجناً من النخبة المثقفة... لماذا اخترته عنواناً لروايتك؟

Ad

أرى أنه لا يوجد كلمة أو لفظ أو عنوان مستهجن على الإطلاق. لا يمكننا التعامل مع مفردات اللغة بطريقة الاستهجان أو الاستحسان، فليس في اللغة مفردات شريفة وأخرى وضيعة، كل كلمة في أي لغة لها أهمية في التعبير وإلا لما وُجدَتْ في اللغة من الأصل، ولكل مفردة تاريخ من المعاني والدلالات والظلال ربما تتغير من عصر إلى عصر، ومن سياق إلى آخر. في اللغة الإنكليزية مثلاً ثمة قواميس تتبع معنى كل كلمة، وتطورها ومعانيها ودلالاتها عبر العصور.

في لسان العرب تحت اسم «حَرَمَ» نجد الآتي: - الحَريمُ: ما حُرِّمَ فلم يُمَسَّ  ــ وحَرَمُ الرجل وحَريمُه: ما يقاتِلُ عنه ويَحْميه، والحَريمُ: فِناءُ المسجد والحَريمُ الـصديق، وكما نرى كلها معاني ودلالات متنوعة ورفيعة، والإشارة بهذه المفردة إلى المرأة فيها تكريم وتشريف لكن استخدامها في العصر العثماني ألقى عليها ظلالاً سلبية وفي المناطق الشعبية والصعيد تستخدم الكلمة بلا دلالات سلبية، وكما نرى الحريم تشير إلى المكان ذي الحرمة كالحرم المكي، والحرم الجامعي، والمكان الذي يجب الدفاع عنه ضد منتهكيه، ولعل النخبة المثقفة هي الأكثر معرفة بهذه الدلالات الكثيرة، وأنا أستعملها كعنوان لروايتي بكل هذه المعاني مجتمعة، فغالبية شخصياتي في هذه الرواية تعيش في حي طولون الشعبي ولها أسماء مثل: روحية، وبطة، وزبيدة، وأرزاق فالمفردة هنا أدق في التعبير عن النساء.

يعتبر البعض أن الاسم مقصود للفت الأنظار والترويج للرواية. هل هذا صحيح؟

عندما أكتب لا أفكر في مثل هذا الأمر، ينصب تركيزي واهتمامي وخيالي على العمل الفني. لا أفكر في قارئ أو ناقد أو ناشر، أو سوق أو ترويج، أبقى داخل غاياتي الأدبية والفنية فحسب. إذا اهتممت بالترويج أو بإرضاء ناقد أو قارئ فسد عملي، الفن يأتي من انتفاء الغرض والغاية وغياب ذات الفنان، واستغراقه في موضوعه الفني، والذي هو نتاج هذه الوحدة المنسجمة بين ذات الكاتب وعمله. الكتابة تحتاج إلى تطهر ونزاهة وغياب الغرض والغاية، فلا يبقى سوى الفن الخالص القادر على إنتاج العمل الفني.

نلت أكثر من جائزة على أعمالك الروائية، فهل تعتبر أن الجوائز هي منتهى طموح الأديب بعد ابتعاد الجمهور العادي عن القراءة؟  

الجوائز الأدبية مهمة للأدب، وللفن عموماً، ولإثارة اهتمام الناس بعمل ما بما يحقق له مزيداً من الانتشار والمتلقين، وهي في العالم كله وسيلة مهمة لإبقاء الأدب حياً وفاعلاً في تشكيل الوجدان، والفكر الإنساني، وهي في الوقت نفسه ليست ضمانة لشيء، فالجوائز لا تصنع أديباً ولا فناناً، فالأديب يصنعه عمله فحسب، أما القارئ فيحتاج أحياناً إلى لفت انتباهه إلى أعمال معينة، وقد يكون ذلك جيداً أو رديئاً، بقدر توفيق لجنة تحكيم معينة في اختيار عمل جيد، والفنان والكاتب الأصيل في رأيي ليس في حاجة إلى شيء سوى إخلاصه لعمله وإبداعه، وإن كانت حالته المادية لا تسر في عالمنا العربي، فهو بحاجة إلى شراء وقته حتى يتفرغ لإبداعه.

لا أرى انصرافاً عن القراءة في عالمنا العربي. الواقع أن ثمة أمية وفقراً وسيادة لنمط استهلاكي من الحياة تجعل القراءة والتأمل في ذيل اهتمام الجميع، لكني أرى أن المصريين قد بدأوا في الاهتمام بالقراءة والأدب قبل قيام ثورة 25 يناير بنحو عشر سنوات، وإن هذا الاهتمام سيزداد وينمو، فالناس في حاجة إلى فهم حياتهم وواقعهم.

هل ترى أن الترجمة من العربية سبب في ابتعاد الجوائز العالمية عن الأدب العربي؟

لم تقترب الجوائز العالمية من الأدب العربي سوى في عام 1988 حين حصل الأستاذ نجيب محفوظ على جائزة نوبل، بعدها بدأ الاهتمام بترجمة محفوظ بوجه خاص، والأدب العربي عموماً، وهو ما وضعنا على خارطة الإبداع العالمي، فضلاً عن أن أحداث 11 سبتمبر نبهت الغرب إلى العالم العربي، وما يحدث الآن قد يكون دافعاً أيضاً لزيادة الاهتمام بالأدب العربي، وبترجمته. في الغرب، ثمة اهتمام متزايد لكنه ما زال في حدود أكاديمية وليست تجارية إلا في ما ندر. الأدب العربي أدب إنساني ويستحق وضعاً أفضل وسط آداب الأمم، ويستحق الاهتمام والتقدير والجوائز.

هل تتفق مع مقولة {نحن في زمن الرواية}؟

نحن في مصر في زمن {الدراما التلفزيونية}، لأسباب متعددة، أهمها الأمية والميل إلى التلقي السلبي وانتشار فنون التسلية. أما في ما يخص الأنواع الأدبية فإنني أعتقد أن الرواية هي الشكل الأدبي الأوسع انتشاراً ككتاب، بينما ما زالت القصة القصيرة هي المفضلة والمنتشرة في الصحف والمجلات العامة والمتخصصة بسبب طبيعة هذه الوسائل. نعم، ثمة بروز للرواية في العالم العربي تستحقه كشكل أدبي، بسبب طبيعتها الفنية بوجه خاص فصارت ثرية إلى حد كبير.

 ماذا عن مشاريعك الأدبية المقبلة، خصوصاً أن لديك ديوان رباعيات؟

لديَّ عمل اسميته {كتاب السطور الأربعة} نشر الجزء الأول منه في سلسلة {حروف} عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 2012، وأصدرت هذا العام الكتاب كاملاً في جزأيه الأول والثاني، صدر عن دار {نفرو}، وهو تجربة خاصة في الشكل والبناء، لا أمانع في وصفه بأنه رباعيات شعرية، شعر، قصيدة نثر، رواية، فلسفة، ففيه من هذا كله، هو تجربتي الأدبية الفريدة.    

 ولديَّ تحت الطبع، عملي الملحمي {الحالمون في ثورة} والذي نشر كثيراً من نصوصه بالعربية والإنكليزية والفرنسية، والذي أرجو أن ينشر قريباً. ولدي راهناً مشاريع أعمال جديدة، أرجو أن أنتهي من واحد منها خلال الأشهر القليلة المقبلة.  

ما الذي قدمه جيلك للرواية المصرية؟

ولدت في عام 1970، وأصدرت روايتي الأولى {سحر أسود} عام 2005 وأنا في الخامسة والثلاثين، وأقول إنني من جيل 2005، ففي العشر سنوات الأخيرة ظهر كتاب جيدون، وأعمال قيمة كثيرة، تعد إضافة جيدة إلى الأدب المصري في الشعر والقصة والرواية، وهو الجيل الذي مهد لثورة 25 يناير، وعبر عن أهدافها في الحرية والكرامة.

 

هل اتجهت الرواية المصرية إلى الفانتازيا هرباً من الواقع الذي استمدت منه الأجيال السابقة تجربتها؟

الفانتازيا شكل أدبي قديم وموجود في معظم آداب العالم ولغاته، وربما اختلط كمصطلح بالعجائبية والغرائبية والسريالية والعبث أو الواقعية السحرية، لكنها في بعض الآداب مدارس أدبية لها قواعدها الفنية والأدبية وكتابها المعروفون. عندنا لا نجد مثل هذا باستثناءات قليلة، محمد حافظ رجب مثلا كسريالي أو محمد إبراهيم مبروك، وغيرهما. لكني أعتقد أن مصطلح المدرسة الأدبية نفسه قد أفل في العالم كله لصالح حرية الكاتب في بناء عمله الأدبي كما يشاء، وفقاً لشروطه الفنية الخاصة به هو كمبدع، وليس وفقاً لإطار فني خارج عنه أو مرجعية أدبية. حتى الواقعية نفسها ليست واقعية واحدة فهي تتعدد بتعدد الكتاب. أما عن ابتعاد بعض الكتاب عن الواقع أو الواقعية كما تقول فيبقى اختياراً فنياً خاصاً بهم، ومحدوداً بتجربتهم الفنية وإنجازاتها، وليس في هذا ما يعيب فلسنا متفقين أصلاً على مفهوم {الواقع} أو {الواقعية} في الأدب. الأهم بالنسبة إلي هو فنية العمل وقدرته على التواصل مع قارئه، وعصره، والسياق الأدبي الراهن، وقدرته أيضاً على البقاء والاستعصاء على النسيان. وبصرف النظر حتى عن موضوعه ولغته، العمل الفني سر دائم لا نعرف تحديداً من أين يأتي سحره وجماله، وقدرته على الحياة.