بحجة أنه لا يجوز أن يبقى تاريخ الثورة الجزائرية مقدساً، فقد فاجأ الرئيس السابق لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (المعارض) سعيد سعدي بتوجيه اتهامات بالخيانة والعمالة، والعياذ بالله، لبعض رموز هذه الثورة العظيمة، ثورة المليون ونصف المليون شهيد، من بينهم مصالي الحاج، الذي كان ولايزال يعتبر "أبوالوطنية" ليس في الجزائر فحسب، وإنما في دول شمالي إفريقيا (العربية)، وأحمد بن بللا، الذي ليس بحاجة إلى أي شهادة بالوطنية، ومن أي كان، وعلي كافي الذي كان القائد العسكري لواحدة من أهم المناطق خلال هذه الثورة المجيدة، هي المنطقة الرابعة.

Ad

ويأخذ سعيد سعدي، الذي تخلى عن موقعه القيادي في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، على شيخ المجاهدين الجزائريين ومؤسس نجم شمالي إفريقيا، مصالي الحاج، أنه أصر على المقاومة السياسية لمواجهة المستعمرين الفرنسيين الذين استغلوا إحدى غفلات التاريخ واحتلوا الجزائر لما يزيد على مئة وثلاثين عاماً.

 وحقيقة، ورغم اتهام هذا القائد العظيم في بدايات انطلاق ثورة المليون ونصف المليون شهيد بـ"الخيانة"، فإن المنتصرين ما لبثوا، استجابة لمطالب الشعب الجزائري ورغبته، أن أعادوا الاعتبار إليه على أساس أنه "أبوالوطنية" الجزائرية، ورمز النضال في المغرب العربي كله، الذي أراده أن يكون موحداً وفي إطار دولة واحدة.

لقد كانت هذه مجرد وجهة نظر أيدها الرمز العروبي الكبير شكيب أرسلان، وهنا تجب الإشارة إلى أن مصالي الحاج لم يُسجَّل عليه إطلاقاً بعد انطلاق الثورة عام 1954 أنه وقف ضدها أو قاومها، وحقيقة أنه ما لبث أن أصبح داعماً ومؤيداً ومدافعاً عنها، وهذا عرّضه لمطاردات السلطات الفرنسية وقمعها، وإدخاله السجن أكثر من مرة خلال سنوات ما قبل انتصار واحدة من أعظم وأهم ثورات التاريخ في العالم بأسره.

إن هذا بالنسبة إلى الشيخ مصالي الحاج غيض من فيض، كما يقال، أما بالنسبة إلى أحمد بن بللا، فإن المؤكد أنه ليس بحاجة إلى أي "تزكية" من أيّ كان، فتاريخه يشهد له وعلاقاته بالرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، عبر مدير المخابرات المصرية فتحي الديب، سواء قبل انتصار الثورة أو بعد أن أصبح بعد التحرير واستعاد السيادة الوطنية رئيساً لأول دولة جزائرية في العصر الحديث، لا تعيبه إطلاقاً، فمتطلبات الثورة، التي كانت معظمها أمنية وعسكرية وتسليحية، كانت تقتضي أن يكون فتحي الديب هو ضابط الارتباط بين بن بللا وعبدالناصر... وهذا ينطبق على مرحلة ما بعد الاستقلال مباشرة.

أما بالنسبة إلى رئيس مؤسسة مجاهدي الثورة والرئيس اللاحق علي كافي فإنه، وأنا الذي عرفته عن قرب من خلال الصديق المرحوم إبراهيم طوبال التونسي، الذي انضم إلى الثورة الجزائرية مبكراً، ومن خلال الصديق العزيز محمد أبو ميزر (أبو حاتم)، لا يمكن أن يكون ضد "الأمازيغ" وضد رموز المنطقة "الأمازيغية"، وهذا ما يمكن التعرف عليه من خلال مذكراته... لقد كان مثله مثل غيره من رفاق السلاح ضد أي محاولات لشق صفوف هذه الثورة... وقد تجلى هذا بأبهى صوره في القضية التي تسمى قضية عبان رمضان، هذا الرجل الذي كان، إلى جانب العربي بن مهيدي وغيره، أحد أصحاب قرار انطلاقة "الثورة"، والذي رغم ملابسات اغتياله عام 1957 يجب أن ينصفه التاريخ، وأن يعطيه حقه كأحد أهم قادة هذه الثورة.

إنه لا يجوز الآن، وبعد كل هذه السنوات الطويلة، إزالة "القدسية التاريخية" عن الثورة الجزائرية، فالجزائر التي قدمت مليوناً ونصف المليون شهيد يجب أن تبقى مقدسة، ويجب عدم قراءة أحداث التاريخ بأثر رجعي، لأن هذا سيزعزع ما في أذهان الأجيال اللاحقة عن شهدائهم وعن ثورتهم وعن رجال عظماء مثل الشيخ مصالي الحاج وأحمد بن بللا وعلي كافي... وأيضاً عبان رمضان.