القذارة الملفوفة جيداً، مثل العطور المحكمة الإغلاق، لا يمكن تمييز جودتها إلا بالفحص، الصالح يؤخذ فوراً ويزكى، والتالف يلقى بعيداً باشمئزاز، هذه القناعة أطبقها عند شراء الكتب من أي مكان.

Ad

في معرض الكتاب الأخير، اطلعت على جوانب جديدة من أزمة تخلفنا الفكري والتأثيرات السلبية المتراكمة لعهود من سياسة التجهيل والخواء الثقافي، أهمها بروز سطوة الرقيب المتطوع الذي لا يكتفي بنبذ "القذارة الملفوفة"، ولكنه يحرص بحماس لا ينقطع على تحريض كل أجهزة الرقابة الرسمية على المنع والطرد والحبس.

الرقيب المتطوع هو "المطوع" الذي زرعته مناهج "الأدينة" والتوجيه الرسمي في أعماق أجيال متلاحقة لا مانع لديها من ممارسة جميع الموبقات في السر، ولكن يا ويل من يسقط في فخ العلنية، وللعلم فإن كل القذرات الملفوفة هي أعمال سرية حتى نفتحها ونتتبعها كلمةً كلمة وحرفاً حرفاً، أي أن فعل القراءة إن حصل، وهو مالم يحصل بظني، عملية طويلة ومرهقة.

الرقيب المتطوع موجود منذ زمان، ولكنه عاجز عن ترويج نفسه قبل زمن الطائر الأزرق، ولكن ما إن أتت الفرصة حتى قال "مطوعنا المتطوع" للرقيب الرسمي "انزح وراك وأنا أقعد مكانك"، لا بل إن "مطوعنا المتطوع" تجاوز الأعداء التقليديين لحرية الفكر والكلمة والرأي الآخر وكأن الحال ينطق: تفوق التلميذ على أستاذه.

حماة الفضيلة سيقولون: وهل ترضى برواج القذارة الملفوفة؟ جوابي كامن في السؤال، هي قذارة كما أسميتها أنا، أتجنبها وأنصح باجتنابها، ولكن لن أدعو إلى سجن أحد استعمل القلم ولن أطبطب على عمل الرقيب الذي أفرغ معرض الكتاب من العطور المحكمة الإغلاق، دعوا العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة.

الرقيب المتطوع، لم يقرأ ما طالب بمنعه، لم يقرأ من قبل، وليس مستعداً للقراءة لاحقاً، لم يصعد إلى قمة الكتاب من قبل سطراً سطراً، بل كان مجرد مردد مساهم في حملات منح الشهرة المجانية لأشباه كتاب، لم يعرف رقيبنا المتطوع أن "الهباء" الذي اطلع عليه موجود بقوالب أسمك في بعض كتب التراث، والروايات الرفيعة التي حصل كتابها على جائزة نوبل وبعضها مجاز في معرض الكتاب، هل تعقلون ما أقول؟ إنها نفس الكلمات الصادمة، ولكن تم استعمالها في سياقات مختلفة، لن أدلكم عليها لأنني لست رقيباً وإذا فعلت فلن تبحثوا عنها.

في الختام، قد أخاطب نفسي أو ربما العدم، لأن ما رأيته من أقرب المقربين يبعث على اليأس، ولكنني سأقولها لأن الطبع غلاب، إياكم وإطلاق يد السلطات في أمر قد ترونه اليوم خطأً، فما تطلبونه لغيركم فأنتم في الحقيقة تطلبونه لأنفسكم دون أن تشعروا، وأمامكم من جففوا بيئة الحريات العامة من حول مجلس الأمة، ثم اكتشفوا ضيق العمل الديمقراطي عندما خرجوا منه.