أفلام جديدة بالأبيض والأسود... صيحة أم ضرورة درامية؟

نشر في 21-11-2014 | 00:01
آخر تحديث 21-11-2014 | 00:01
بدوافع مختلفة قرَّر بعض المخرجين العودة إلى الزمن الماضي، واستخدام تقنية الأبيض والأسود في أفلامهم لإظهار حنين إلى السنوات الفائتة، واستعراض حالة شجن، وربما إظهار قصة الحب بين أبطال الفيلم.
اعتمدت أفلام عدة على تقنية الأبيض والأسود أخيراً، عُرض أبرزها في الدورة 36 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لا سيما «ديكور» من بطولة كل من خالد أبو النجا وحورية فرغلي وماجد الكدواني، ومن تأليف شيرين ومحمد دياب، وإخراج أحمد عبد الله السيد.

 أوضح السيد أنه اعتمد هذه الطريقة لقدرة الأبيض والأسود على تقديم الجانب الدرامي للعمل، خصوصاً أن الفيلم رحلة عقلية تدور في ذهن أبطاله، هذا إلى جانب حب البطلة للأفلام القديمة وعشقها لفاتن حمامة كإحدى أهم فنانات السنيما المصرية، ناهيك بشغفه شخصياً بهذه الأعمال، وبطريقة الحكي بالأبيض والأسود عن عالم حديث، والتي توقع أنها ستنجح في جذب انتباه كثيرين.

وأشار إلى الحيرة التي تقع فيها البطلة بين عالمين عليها الاختيار في ما بينهما هما أشبه بلوني الأبيض والأسود، لذا كان منطقياً أن يكون عالمها الشخصي رمادياً، أي أنه يقف بين اللونين الأساسيين. وذكر أن الألوان التي ظهرت في الثواني الأخيرة من الفيلم ترجع إلى اختيار إخراجي وفني معين، رافضاً توضيح الأسباب، واعتبرها جزءاً من اللعبة التي اعتاد أن يقيمها مع الجمهور في نهاية أفلامه.

السيد أكد أن استخدامه تقنية الأبيض والأسود لا يعني أنها سهلة، بل هي صعبة إذ دفعته إلى اختيار ماكياج معين للفنانين، كذلك أقمشة بعينها لملابسهم، واستعان بفلاتر وعدسات تتماشى مع الكاميرات الحديثة، وبعدما انتهوا من مرحلة التحضير أجروا تمرينات كثيرة قبل التصوير.

يحضر هنا أيضاً فيلم «باب الوداع» للمخرج كريم حنفي. استخدم فيه بكثرة اللون الرمادي، والأبيض والأسود في عدد من المشاهد، ليتمكن من إحداث تداخل بين ذكريات البطل عن الطفولة، وبين مخاوفه الراهنة والمستقبلية، والفيلم من بطولة كل من سلوى خطاب، وآمال رمزي، وأحمد مجدي.

قال مدير تصوير «باب الوداع» شريف فتحي إنه عمل على تنفيذ صورة الفيلم خلال ثلاثة أشهر، فجمع فيها ملامح الجمال كافة، من تكوين بصري وإبداع، خصوصاً أن العمل كان أقرب إلى الحلم، أي أنه خيال وليس حقيقة، وهو ما حاول تبيانه في صورة تجمع بين الأبيض والأسود وأحياناً الألوان، ما ساعده في استعراض مختلف فصول السنة التي مرَّ بها البطل خلال مراحل حياته حزيناً.

والفيلم الثالث هو «إلى الأبد» For ever اليوناني، الذي تدور أحداثه حول قصة حب بين سيدة تدعى {آنا}، وسائق قطار يدعى {كوستا}، وكلاهما يعيش حياة صعبة تكسوها الوحدة، والرتابة والروتين، ولكن هذا السائق يقرر الخروج من عزلته بعدما وقع في غرام هذه المرأة، ويحاول مطاردتها في كل مكان تذهب إليه، وينجح في إقناعها بحقيقة مشاعره فتحبه.

مخرجة الفيلم أوضحت، خلال الندوة التي أعقبت عرضه في المهرجان، أنها لم تستخدم تقنية الأبيض والأسود، وإنما استخدمت ألواناً داكنة لتعبر عن حالة أبطال الفيلم النفسية، وجو المدينة، والعيش في وحدة شديدة، في حين استخدمت اللون الأبيض كإشارة إلى التفاؤل، وإلى وقوع البطل والبطلة في الحب، رغم حالة الشجن والحزن في الفيلم.

عمل مختلف

قال الناقد نادر عدلي إن المخرج الذي يقرر اتباع تقنية الأبيض والأسود في سينما كلها ألوان، يحاول بالتالي تقديم عمل مختلف ومتميز، ولفت إلى أن تحديد مدى نجاح هذه الفكرة من عدمها يتوقف على كل تجربة.

عدلي قال إن استخدام مخرج {ديكور} لهذه التقنية كان مبرراً لتبيان أن بطلته غير متزنة وتعود بخيالها إلى عالم مضى، ولكنه في الوقت نفسه لو أنه قدَّم العمل بالألوان لكانت الأحداث أكثر اتساقاً مع العصر، مشدداً على أن موضوع الفيلم كان يمكن تقديمه ضمن السينما التجارية، ولكن عبد الله السيد بحث عن اختلاف يضعه في إطار آخر، لذا جاء اتباعه لهذه التقنية.

وأضاف: {مخرج {باب الوداع} تعمد استخدام الأبيض والأسود لتجسيد حالة حزن الأم والجدة والطفل، لا سيما أن فكرة الفيلم الأساسية قائمة على الحزن، وما تبع ذلك من استخدام أغان قديمة، وهذا الأسلوب مناسب لطبيعة معالجة الفيلم الذي اتخذ الشكل التجريبي، ما يجعله حالة فنية مختلفة.

وضرب عدلي مثلاً لأفلام استخدمت تقنية الأبيض والأسود وهو {ناصر 56} من إخراج محمد فاضل، معتبراً أنه كان موفقاً في استخدامها بدرجة كبيرة، لأنه عاد بالمشاهد إلى التاريخ الماضي في عام 1956 حينما كان الأبيض والأسود هما السائدين، فساعدا في إضافة بُعد تاريخي وأسطوري إلى عبد الناصر.

{بعد مرور 15 عام سيندمون} هكذا بدأ الناقد محمود قاسم حديثه عن المخرجين الذين اتبعوا تقنية الأبيض والأسود في عالم الألوان، موضحاً: {فجأة تطرأ هذه الفكرة لدى مخرج ما فيقرر تقديمها، ومع أن لها سحرها فهي دليل قِدَم لا إبداع، وهي تفيد في حالات معينة من بينها تقديم أفلام تاريخية عن الناصر صلاح الدين مثلاً، أو غيره من شخصيات تاريخية ودينية تتطلب استعراض وثائق أو أحداث حية من الزمن الماضي، بل إن العبقري هو من يلوّن مشاهد مهمة من أفلام أبيض وأسود مثل خطاب جمال عبد الناصر في فيلم {ناصر 56}.

واستطرد مشيراً إلى فيلم {ذهب مع الريح} الذي تمَّ تلوين نسخته، ومن شاهدها أعرض نسخة الأبيض والأسود، لأن الشكل الجديد جعل الفيلم {ينطق}، فيما تعطي التقنية القديمة التي عاد مخرجون إلى استخدامها أخيراً إحساساً بالفقر، وتابع: {هذه الطريقة ليست عبقرية ومستخدموها سيسقطون من التاريخ، هذا ما أثبتته التجارب السابقة لأن الجمهور يعشق الفخامة والألوان التي تعطيه إحساساً بالحياة، وإن لم يكن الأمر كذلك ما ابتكر المخترعون تقنيات منها الأبعاد الثلاثية لمزيد من الرؤية والإيضاح}.

back to top