رغم خطورة المواقف التي أعلنتها الحكومة في التعاطي مع ملف تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة لاعضاء السلطة القضائية، وسعي الحكومة لتعطيل هذا الملف بهدف كسب الوقت لا أكثر، فإن ما أعلنته الحكومة عبر ممثليها في إدارة الفتوى والتشريع بطلب رد اعضاء الهيئة القضائية جميعهم، يسجل رسميا سابقة سيئة تشهدها العلاقة بين القضاء والحكومة!
فالحال التي وصلت اليها العلاقة بين السلطتين، القضائية والتنفيذية، يؤكد إصرار الحكومة على التعامل مع القضاء على أنه «أحد الاقسام التابعة له» كما وصفها احد القضاة في مرافعته الاسبوع الماضي أمام المحكمة التي تنظر دعوى بطلان الحكم الذي اصدرته المحكمة وترفض الحكومة تنفيذه رغم نهائيته وعدم جواز الطعن عليه.الحالة التي أوجدتها دعوى البطلان الحكومية ضد القضاة لايمكن معالجتها، برأيي، حتى بتطبيق الاحكام القضائية كأحد الحلول لمعالجة تلك القضية، التي بدأ الجهاز القضائي بأكمله التفاعل معها والتأثر بأحداثها ومجرياتها، وأخشى أن تأخذ في الايام القادمة حيزا كبيرا في نفس وذهن القاضي لانشغاله بها، فالمتقاضي والمطعون بعدم صلاحيته هو زميل له!وأصعب اللحظات التي تقضيها في التفكير والتساؤل عن حقوقك الطبيعية التي كرسها وقررها لك الدستور، حينما تفاجأ بجهة تصادر عنك تلك الحقوق وتقرر عدم أحقيتك لها، وأن ما تحصلت عليه من تلك الحقوق وفق ما صدرت به من أحكام كانت باطلة أيضا، ليس ذلك فحسب، بل ويتهمونك بأن من قام باصدار ذلك الحكم، الذي تحصلت عليه، قد كانت له مصلحة؟!لايمكن ان أصف ماحدث وما يحدث سوى بالمعيب، والمخجل أن يطعن بهذه الطريقة في القضاء والقضاة باسم التقاضي وفق دعوى البطلان، ويطعن بمصداقية هذا الجهاز رغبة في التهرب من تنفيذ أحكامه، حتى ولو كان ذلك على حساب سمعة وكرامة ونزاهة رجال أقسموا على تحقيق العدالة!وهناك حقيقة لا يمكن انكارها اليوم، هي ان الحكومة لايمكنها التعاطي مع الملف القضائي كما كان التعاطي معه قبل ١٥ عاما، عندما كان يتحمل الاهمال والتهميش لمطالبه وحقوقه، وهي المدة التي كنت أحذر في حينها بأن عدم اقرار حقوق ومطالب القضاة والاعتراف به كسلطة قضائية وعلى نحو سريع سيجعل من تلك القضية كرة ثلج، وحتما ستنفجر بعد أن تصطدم بحائط صلب وحينها لايمكن تدارك حجم الخسائر التي أوقعتها وحققتها بسبب الاهمال الذي عانته طوال تلك السنوات الماضية!لأكثر من ١٠ سنوات ورئيس مجلس القضاء الحالي، المستشار فيصل المرشد، وحتى عندما كان رئيسا لمحكمة الاستئناف، يصرح ويطالب باستمرار في كل أحاديثه بضرورة اقرار الاستقلال الاداري والمالي، وبضرورة توفير المباني، والالتفات لمطالب السلطة القضائية، الا ان الحكومة تتعامل معها وفق سياسة «لاتعطيهم كل شيء»!اليوم، وبعد أن أصبحت مطالب القضاء عبئا، كما يردد مؤيدو الحكومة، فالحل مازال بيدها وكل ماعليها هو تنفيذ الاحكام والتعامل مع مجلس القضاء لاصدار القرارات التنفيذية لما تم إقراره، مع الاسراع في اصدار قانون يمنح القضاء الاستقلال المالي والاداري الحقيقي وليس الشكلي، لانه لو بقي شكليا ذلك الاستقلال فلن تجد المشاكل حلها ولن نتقدم في حينها حتى لمسافة واحدة!!
مقالات
مرافعة: قسم تابع لوزارة العدل!
23-12-2014