بات موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يمثّل أحد أخطر أمراض العصر بالنسبة إلى سوق الكويت للأوراق المالية، نظراً إلى حجم التداعيات والمخاطر التي يشكلها من ناحية الترويج والدعاية لهذا السهم أو ذاك، وحضّ صغار المستثمرين على الشراء أو البيع.

Ad

رصدت الشركات المالية والبنوك العالمية والصناديق المهتمة بالسوق الكويتي ظاهرة فريدة عجيبة، تعيث فسادا في التداولات اليومية في سوق الكويت للأوراق المالية، وهي توصيات الشراء والبيع عبر "تويتر".

للصناديق والبنوك الاستثمارية الإقليمية والعالمية مستشارون في السوق الكويتي، وهذه الجهات لها قواعدها الاستثمارية ولا تتخذ خطوات عشوائية، لمجرد أن السوق صاعد أو يتمتع بقوة توزيعاته أو أرباحه ودوران أسهمه او احتوائه على قاعدة من الأسهم الممتازة، بل هذا جزء من كل.

بداية، يقول رئيس مجموعة مالية كبرى في السوق: "لدينا عملاء من كوريا الجنوبية وأوروبا وأميركا، ولدينا تحالفات وعلاقات استثمارية متبادلة ومتشعبة، وخلال الاجتماعات التنسيقية نصاب بذهول من حجم قاعدة المعلومات المتاحة لديهم ودقة وقوة الرصد للسوق المحلي والظواهر التي تحيطه، ولاسيما المؤثرات المباشرة وغير المباشرة على سوق المال".

ومن بين أبرز تلك الظواهر تفشي وانتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في توصيات البيع والشراء بشكل مباشر وفج، بل الأدهى من ذلك بعض السباقات التي  تقودها أطراف متناحرة متنافسة بشأن توقعاتها للفوز بأكبر قاعدة متابعين من صغار المستثمرين.

وربما يفتح هذا الباب الطريق أمام هيئة اسواق المال لسنّ تشريعات وقوانين مباشرة وذات صلة تنظم هذا الأمر، لأنه وفق شركات الاستثمار والصناديق الخارجية والبنوك، أمر بات له تأثير مباشر على الورقة المالية، وهنا يبرز بقوة دور الهيئة لحماية السوق من تلك المؤثرات، وهو من صميم ما نص عليه القانون.

10 ثغرات في التعاملات

وفي ما يلي رصد دقيق من واقع ملاحظات المراقبين والمهتمين بالسوق الكويتي يعكس حجم الثغرات والعبث في التعاملات وتشخيص أحد ابرز امراض العصر في السوق المالي:

1- بورصة الكويت تعتبر بين الأسواق التي تفتقد الهوية، فلا هي بورصة أفراد ولا هي سوق مؤسسي تتحكم فيه الصناديق والمحافظ ترتفع فيه الجرعة المضاربية والنظرة القصيرة الأجل لأكثر من 80 في المئة من القرارات التي توجه اليه يوميا، وأضافت اليه ظاهرة التوصيات عبر "تويتر" عامل سرعة وتحول إضافي يتحكم في القرار، وخصوصا أن هناك حشدا هائلا من الأفراد يتلقفون أي معلومات ويبنون عليها قراراتهم الاستثمارية دون أدنى قواعد علمية، بل كل ما في الأمر أن هذا المحلل أو ذاك المغرد قال.

2- مغردون يتوقعون بشكل عشوائي، وعندما تصيب مرة أو اثنين، ويتحرك السهم، يتبنى حملة ترويج لنفسه ومن ورائه صغار المستثمرين يمجدونه ويدعون لها بطول العمر، لأنه حقق مكاسب بفلسين أو اكثر، ما يزيد من متابعيه وتزداد حمولة "المركب" التي تأتي عند نقطة الغرق محملة بكل ما فيها من مستثمرين ومكاسب، لأن ما بني على باطل فهو باطل، إذ إن جل التوقعات تقوم على "هذا السهم رخيص أو أسعار النفظ زينة والأسواق المحيطة والعالمية ارتفعت وحقوق المساهمين والقيمة الدفترية فوق النخل"، الى آخر التنبؤات التي لا تمت للقواعد الاستثمارية الحصيفة بصلة.

3 - وفقا للمعطيات والدراسة التي أجريت في البورصة هناك 5 مغردين يتبعهم نحو 80 ألف مستثمر ومهتم بالشأن الاقتصادي، يوميا أو أسبوعيا يصدرون توصيات تحت مسمى "اسهم ننصح فيها بالمتابعة"، هربا من القانون والتوصية المباشرة التي يترتب عليها مساءلة، علما بأن قانون 7 لعام 2010 في هيئة أسواق المال نص صراحة على مصطلح الإيحاء، فمجرد الإيحاء للمستثمر بالشراء تتوافر أركان الجريمة المنصوص عليها، وكذلك الإشارات الأخرى واستخدام مصطلحات ترمز الى شركات وبعض التوجيهات المبطنة.

مباشرة وغير مباشرة

4- مصادر مراقبة تقول إن غالبية من يقدمون النصائح لهم مصالح مباشرة أو غير مباشرة رغم نفيهم القاطع أن تكون لهم أي صلة، لكن المثل الكويتي يقول: "الذيب ما يهرول عبث"، وإلا أي سريرة وسؤدد هذا الذي يجعل كل هؤلاء مهتمين بشؤون صغار المستثمرين وحريصين على مكاسبهم وراحتهم ويتبرعون بالتوصيات لأجل أن يعم الخير والسرور على الجميع؟، ولماذا لا يستأثر هذا أو ذاك بالمعلومات القيمة والعلم الرفيع المنير الذي يملكه ويحقق هو مكاسب شخصية بدلا من الإصرار على العبث بـ"تويتر" وتلقي "مسبات" أحيانا من هذا وذاك من الخاسرين أو الذين لم يحالفهم الحظ؟

5- استثماريا، تتكرس القاعدة التي تنص على أن التباين في القرارات الاستثمارية ظاهرة من ظواهر أسواق المال، لكن القرارات المدروسة بشأن تقييم شركة أو التوصية بها غالبا ما تكون القواعد واحدة، اذا كانت قائمة على معطيات علمية وأرقام وتقييمات حقيقية، لكن عبر صفحات "تويتر" تجد عشرات المحللين ومن يقودون الرأي بينهم تباين كبير وخلافات شديدة حول السهم الواحد، فلا يتفق اثنان على سهم وكل واحد منهم يتبنى مجموعة محددة من الأسهم والسلع المتداولة يطرب آذان المتداولين عبر "الطبل والزمر" لها وإظهار مفاتن السهم ويرفق التوصيات في نهاية المطاف بأن هذا ليس دعوة للبيع او الشراء ولكن للمتابعة، فعلى من تضحكون؟!

6 - الخطر الحقيقي الذي يثير حفيظة الشركات المحلية والبنوك العالمية والصناديق الإقليمية هو أن مديري استثمار وقيادات تنتمي لمجاميع استثمارية لديهم حسابات موثقة ومذكور فيها المنصب علنا توصي وتتوقع وتنصح بأريحية تامة، وكأنه لا قانون ينظم هذا السوق الذي يحوي أموال العباد والبلاد وكل قرار عشوائي يكبد المال العام أكبر المستثمرين في البورصة مئات الملايين من الخسائر، حتى وإن كان ذلك بطريق غير مباشر، فأداء السوق عموما يتأثر بحركات بعض الأسهم سلبا أو ايجابا، على قاعدة "الحسنة تخص والسيئة تعم".

7 - من أبرز وأخطر مظاهر العبث الحقيقي ظهور قيادات في شركات وساطة مالية تحترف تقديم نصائح ايضا مباشرة وغير مباشرة، وهنا لا يمكن فصل المصلحة مهما كان حجم التأكيد أو التنصل من تلك المسؤولية، فكيف لقيادات في شركات وساطة أن توصي شراء وبيعا، وتحض المتابعين على ذلك حتى وإن كان من غير تحديد اسهم، إلا أنه غالبا ما تشتمل تغريدات على إشارات دخول للشراء أو البيع.

نصائح وتوصيات

8- تنسيق بين بعض المجاميع والشركات الورقية وعدد من الرموز المضاربية التي تملك حسابات مباشرة أو غير مباشرة في وسائل التواصل الاجتماعي بتبني التوصيات على أسهم المجموعة والترويج لها، وعندما تتلاقى النصائح والتوصيات من اكثر من حساب يكون سحر التأثير مضاعفا، وحجم الهجوم القوي للشراء أقوى وأعنف، حتى ان بعض الدلالين في شركات الوساطة يتحولون الى اشخاص "VIP" يبحث صغار المستثمرين عنهم بشتى الطرق مساء حتى يعطيه الأوامر الشرائية أو البيعية، بهدف ان تكون له الأولوية في التنفيذ.

9 - منظومة التأثير في سوق الأوراق المالية ربما اخطر مما يتخيل أو يتوقع البعض، فهناك بعض المضاربين وبعض "التويتريين" يجتمعون على مصالح سوقية مشتركة ومتبادلة، ويقومون بالتحالف مع بعض الصحافيين ويحظون بغطاء تلفزيوني بعض الأحيان للترويج لسهم او مجموعة ما أو الإيحاء بمعلومات محددة، ويأكل الطعم صغار المستثمرين ذوو المعرفة البسيطة.

ويؤمن بعض "التويتريين" بأن الخبر أو الإشاعة ما لم تنشر في الصحف فلا شرعية لها، ومن ثم يتخطى الأمر الى وكالات ثم فضائيات وغيرها من المواقع الاقتصادية اللاهثة وراء خبر أو معلومة لجذب قراء او متابعين لتكتمل فصول اللعبة، وفق الأصول.

10 - تكشف مصادر مالية أن بعض الحسابات "التويترية" تدعمها محافظ بحيث يتم تصدير التوصية، ثم تتم عمليات دعم السهم وتحريكه في بداية التداولات لتشجيع الصغار على الدخول وتعزيز أوامر الشراء التي غالبا ما تكون وهمية لا رصيد ماليا مقابلها، وتكون بأسعار متدنية يصعب أن يقوم حملة السهم بالبيع عندها، لكنها في نهاية المطاف تعطي حجم الطلبات المراد شراؤها رقما مجمعا اجماليا على السهم، مسجلا عشرات الملايين، وهذا يعطي توثيقا أن المعلومات التي تم الترويج لها دقيقة، لتتم عمليات التصريف، وهكذا دواليك "محرقة" شبه يومية تحت أعين الرقابة، ومشكلات ومآس اجتماعية نتيجة خسائر باهظة ومشكلات رهونات لأصول وقروض تطير هباء منثورا.

المطلوب تشريعياً

ترى مصادر قانونية مالية أن هذه الظاهرة تعد فريدة في السوق الكويتي من ناحية تفشيها واستفحالها وعدم تنظيمها.

ويضيف أن من المظاهر المذهلة الحجم الكبير والهائل من الخبراء الذين لا يعلم لهم احد خلفية علمية أو تدريبية او خبرات سابقة او مناصب مالية كما انهم غير مرخصين من هيئة أسواق المال.

ويطالب بتحقيق النقاط التالية:

• على هيئة الأسواق درس تقنين هذه الظاهرة ووضع ضوابط صارمة مباشرة بنصوص واضحة لا نصوص عامة للكل، وتندرج تحتها توصيات وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصا بعد أن باتت مصدر تأثير على السوق.

• إمكان الترخيص "للتويتريين" المؤهلين أصحاب الشهادات العلمية والا يقتصر الترخيص على الشركات فقط لان ذلك ظاهرة تطور تكنولوجية وعالمية لا يمكن ايقافها، إلا أنه في حال الترخيص سيظهر الغث من السمين، فعندما يصدر مرخص توصية تكون محسوبة عليه، وسيعتمد أكثر صغار المستثمرين والأفراد على الشخص المعتمد من الجهات الرقابية.  

• إعلان الجهات الرقابية سلسلة تحذيرات وتوعية لهذه النوعية من الدعايات بشكل مباشر وواضح قبل اتخاذ أي إجراءات قانونية.

• رصد ومعاقبة كل من يوصي مباشرة بالشراء أو البيع أو الإيحاء بالمعلومات بشكل مباشر أو غير مباشر.

• رصد المسؤولين في شركات الاستثمار ومديري المحافظ والوساطة وغيرهم ممن يقعون تحت مظلة ومسؤولية الهيئة والبنك المركزي.

• ضرورة استحداث قطاعات وفرق متخصصة في الرصد التكنولوجي والمؤثرات على أسواق المال لمواكبة التطورات العالمية.

• تبقى الإشارة الى أن هدف ترقية البورصة الكويية الى الأسواق ما دون الناشئة والارتقاء بها الى مصاف الأسواق المتطورة والمتقدمة التي تحظى بثقة الاستثمارات الأجنبية المؤسساتية تستوجب القضاء على ظواهر وسلبيات كهذه.

تشريعات وضوابط

تقول مصادر مالية إن التطور المحيط بأسواق المال يمكن مواكبته ومواجهته بالتشريع والضوابط. كل ما في الأمر وضع قواعد تمنع استغلال المتعاملين والتكسب على ظهر صغار المستثمرين، حيث باتت ظاهرة تستفحل وتنذر بأزمة من نوع آخر، وستنفجر مخلفة أزمة ديون ومشكلات اجتماعية اذا استمرت في التنامي لعدة أعوام.  

وتشير مصادر مالية الى أنه لا ضير في الوصول حتى الى منع الأفراد من التداولات المباشرة، وخصوصا غير المؤهلين الذين لا يملكون قدرات قراءة البيانات المالية، وترك الأمر للمحافظ والصناديق الاستثمارية ليتحول السوق الى سوق مؤسسي، وهذا يتطلب منع ارتياد الأفراد لأروقة السوق ومنح شركات الوساطة مرونة أعلى في خدمة عملائها في الاستشارات وغيرها من استقبال العملاء والتواصل معهم خارج نطاق السوق، وكذلك شركات الاستثمار لتكون هناك احترافية أعلى ومسؤولية أكبر وأوسع.