قد يجد السياسي أن نقل رسائله عبر «تويتر» أسهل وأسرع وأقل إثارة للضغوط من استخدام المؤتمر الصحافي، أو التحدث إلى مندوبي الصحف ووكالات الأنباء، أو الظهور على شاشات التلفزيون في البرامج الحوارية والمواجهات، لكنه سيظل دوماً بحاجة إلى من يعرض الأخبار في سياقها، ويحوّلها من عبارات متناثرة إلى قصص متكاملة قادرة على إعطاء معنى.

Ad

يوم الخميس الماضي، فاجأ مسؤولون غربيون وإيرانيون العالم بإعلان التوصل إلى اتفاق مرحلي، يمكن أن يؤدي إلى حسم نهائي لأزمة الملف النووي الإيراني بنهاية شهر يونيو المقبل؛ وهو نبأ على درجة كبيرة من الأهمية، جعلته يتصدر نشرات الأخبار والصفحات الأولى للصحف العالمية، ويصبح بعد ذلك مجالاً للمتابعة والتحليل المستمرين عبر منابر إعلامية عديدة.

سينشط المعلقون السياسيون والباحثون الاستراتيجيون كثيراً في محاولة شرح دلالات هذا الاتفاق وتقصي أبعاده واستشراف تداعياته؛ لكن قراءة الأخبار المتعلقة بهذا التطور المهم لفتت انتباهي إلى منحى آخر يعطي دلالة واضحة عن مستقبل الإعلام العالمي.

لقد أعلن معظم القادة والمسؤولين الذين شاركوا في المفاوضات أنباء التوصل إلى الاتفاق عبر "تويتر"... وهكذا فعل أيضاً بعض القادة والسياسيين الذين أرادوا إعلان مواقفهم أو عرض آرائهم.

هل هي بوادر نهاية لعهد الصحافة التقليدية... وإعلان عن بدء عهد إعلامي جديد... عهد "تويتر"؟!

في البداية، غرّد جون كيري قائلاً: "يوم مهم... دول الاتحاد الأوروبي، و(5+1)، وإيران لديها الآن المعايير لحل المسائل الرئيسة للبرنامج النووي الإيراني".

ثم كتب الرئيس روحاني على حسابه "التويتري" قائلاً: "تم التوصل إلى حلول حول المعايير الرئيسة للبرنامج النووي. إن صياغة الاتفاق النهائي ينبغي أن تبدأ فوراً، ليتم إنجازه بحلول 30 يونيو المقبل".

أما وزير خارجيته محمد ظريف، فقد غرّد بدوره: "تم التوصل إلى حلول"، كما غردّت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني قائلة: "أنباء سارة"، قبل أن يدلي وزير الخارجية الألماني بدلوه، مغرِّداً: "تفاهم بشأن النقاط الأساسية بغرض التوصل إلى اتفاق نهائي بخصوص الملف النووي الإيراني".

وعلى صعيد ردود الفعل، اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو "تويتر" أيضاً لكي يعلن رأيه في الاتفاق، حيث غرّد قائلاً: "يجب أن تكف إيران عن إرهابها وعدوانها... أي اتفاق ينبغي أن يكبح بشكل كبير قدرات طهران النووية".

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يلعب فيها "تويتر" أدواراً سياسية بالغة الأهمية؛ ففي منتصف شهر مارس 2013، فاجأ الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الإمارات ورئيس مجلس وزرائها، الجمهور بإعلان تشكيلة حكومية جديدة في بلاده عبر "تويتر"؛ وهي سابقة ذات دلالة كبيرة، من دون شك، إذ تشير إلى تطور نوعي في وظائف مواقع التواصل الاجتماعي الإخبارية، التي باتت وسيلة لبث الأخبار السيادية قبل غيرها من الصحف الرصينة ووكالات الأنباء الرسمية والعالمية.

وكان الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز قد استخدم "تويتر" أيضاً، قبل عامين، ليعلن أنه عاد إلى كراكاس بعد رحلة علاجية في كوبا، لاسيما أنه كان أحد أكثر عشرة رؤساء في العالم نشاطاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

تفيد دراسة نشرتها مؤسسة "ديجيتال بوليسي كاونسل" بأن 123 رئيس دولة أو حكومة باتوا يستخدمون موقعي "تويتر" و"فيسبوك" بانتظام، وأن معظم هؤلاء يبثون رسائل سياسية وأخباراً عبر حساباتهم.

مع الارتفاع المطرد في عدد مستخدمي "الإنترنت" في العالم، والزيادة المتسارعة في مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي الشهيرة، تتكرس الوظيفة الإخبارية لتلك الوسائط، وتصبح مصدراً رئيساً لاعتماد الجمهور ووسيلة لمتابعة الأحداث والمشاركة في صياغتها والتعليق عليها.

تعطي مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها صلاحيات غير قابلة للمنافسة من أي وسيلة إعلام نظامية؛ إذ تمكنهم من انتقاء الأخبار، وصياغتها، وتأطيرها، وبثها خلال ثوان معدودات، ماداموا يمتلكون هواتف جوالة ذكية، أو أياً من الوسائط التقنية الأخرى، وصلة بـ"الإنترنت".

يمكن ملاحظة أن نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار تزداد باطراد في ظل سخونة الأوضاع السياسية من جهة، وكلما تعرض الإعلام النظامي لتضييق أو استهداف من السلطات من جهة أخرى.

وفي المقابل، فإن تلك المواقع باتت تعطي السياسيين إغراءات كبيرة لاستخدامها عوضاً عن المنابر الصحافية والإعلامية التقليدية، فمقارنة بتلك الأخيرة، يجد السياسي أن "تويتر" أسرع في الاستخدام، وأكثر دقة في نقل أقواله، والأهم من ذلك أنه لا يلح في السؤال، ولا يفرض توقيتاً معيناً للإجابة، ولا يوجه الأسئلة الصعبة التي يريد السياسي تفادي الإجابة عنها.

تزيد نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي عموماً و"تويتر" خصوصاً في الأحداث السياسية بشكل مطرد، وهو أمر يلقي بظلال كثيفة على مستقبل وسائل الإعلام التقليدية.

لكن الأمر لم يحسم بعد، ففي مقابل الميزات الكبيرة التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها، خصوصاً على صعد السرعة والإيجاز والبلورة وإمكانات البحث وقدرات التعبئة والتوجيه، ثمة الكثير من السلبيات والاعتوارات؛ فتلك الوسائط لا تُخضع المحتوى الذي تبثه لأي شكل من أشكال التقييم أو المراجعة، ولا تُلزم من يبث هذا المحتوى بأي قدر من الالتزام، سوى ما يقرره طوعاً لذاته.

يسهل جداً نقل الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي من دون أي قدر من التوثيق، ويندر جداً استخدامها منسوبة إلى أصحاب الحسابات التي تم بثها من خلالها، وكثيراً ما يتم نقلها باعتبارها "حقائق لا تقبل الدحض"، كما يسهل طبعاً أن يتنصل صاحب الحساب من الرأي أو المعلومة أو التقييم الذي بثه قبل قليل بداعي أن "الحساب تمت سرقته"، أو أنه "لا يمتلك حساباً في الأساس".

تمثل مواقع التواصل الاجتماعي رصيداً إخبارياً معتبراً، لكنها أيضاً تعد ميداناً خصباً لاختلاق الوقائع وتشويه الحقائق وبلورة المشاعر العدائية وأحياناً بث الكراهية.

وقد يجد السياسي أن نقل رسائله عبر "تويتر" أسهل وأسرع وأقل إثارة للضغوط من استخدام المؤتمر الصحافي، أو التحدث إلى مندوبي الصحف ووكالات الأنباء، أو الظهور على شاشات التلفزيون في البرامج الحوارية والمواجهات، لكنه سيظل دوماً بحاجة إلى من يعرض الأخبار في سياقها، ويحولها من عبارات متناثرة إلى قصص متكاملة قادرة على إعطاء معنى.

ربما تنجح وسائط التواصل الاجتماعي في "نقل العالم" بشكل أسلس وأسرع، لكن وسائل الإعلام التقليدية مازالت هي الأقدر على شرحه.

* كاتب مصري