«صرح» و{شفشاون»... إطلالة تشكيلية على حضارتي المغرب واليمن
استضافت القاهرة أخيراً ثلاث تظاهرات تشكيلية تمحورت حول سحر المكان وذاكرة التاريخ في الحضارة العربية: معرض «شفشاون... اللؤلؤة الزرقاء» في المركز المصري للتعاون الثقافي الدولي، معرض «صرح» للفنانة اليمنية الشابة أنفال المغلس في مركز محمود مختار، معرض {عشق الجدران} في قاعة الباب بدار الأوبرا.
ضم معرض التصوير الفوتوغرافي {شفشاون... اللؤلؤة الزرقاء} أعمال عشرة مصورين عرب وأجانب عن ملامح المدينة المغربية الساحرة.أكد الفنان أحمد شبيطة، قوميسير المعرض، أن {شفشاون} بشخصيتها المتفردة وألوانها الزرقاء، جسدت تناغماً مع طبيعتها الجبلية ذات اللونين الأصفر والبني بتدرجاتهما، ما يجعلها، في حد ذاتها، لوحة فنية طبيعية من صنع البديع الأعظم.
وأضاف أن فكرة {شفشاون... اللؤلؤة الزرقاء}، انبثقت من عشق المكان واستلهام روحه، ودفعت المصورين الفوتوغرافيين، من جنسيات مختلفة وثقافات ولغات متباينة، إلى التقاط مشاهد تدلّ على تناغم الجغرافيا والتاريخ والخصائص المتفردة للبيئة المغربية.حول مشاركتها في المعرض، قالت الفنانة المصرية ندى محروس: {زرت هذه المدينة، عندما رشحت لجائزة خلال مهرجان {شفشاون} للتصوير الفوتوغرافي، وكان برفقتي الزميل المصري المصور جورج ماهر، فشغفت بالرموز الثقافية لهذه البلدة وما تملك من اختلاف، حفزني إلى نقل هذه التجربة الجميلة للجمهور}.أضافت أن مصر أول بلد عربي يحتضن هذا المعرض، وله السبق في جمع تجربة هؤلاء المصورين العرب والأجانب، ويتضح تباين الرؤى وزوايا التقاط الصورة في أعمالهم، إذ عبر كل منهم عن رؤيته بطريقة مختلفة، وتناول {شفشاون} كمرجع بصري وحقل معرفي لأعمالهم الفوتوغرافية.شارك في المعرض الفنانون: سعيد الشامسي (الإمارات)، عمر حرز الله عبادة (تونس)، ماجد قريرة (ليبيا)، وحيد تاجاني وسمير الحسيني (المغرب)، خوان ريباس (إسبانيا)، روبرت هال (أميركا)، وندى محروس وجورج ماهر (مصر). الواقع والأسطورةافتتح د. أحمد عبد الغني، رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصرية، معرض {صرح} للفنانة اليمنية أنفال المغلس التي جسدت لوحاتها ملامح الحضارة اليمنية، بحضور لفيف من النقاد والفنانين ومحبي الفنون الجميلة. تميزت لوحات {صرح} بتنوع الخامات، من بينها استخدام ورق يدوي من خامات طبيعية وعجائن ورقية متنوعة تحتوي على نباتات مجففة، وألوان وأحبار وورق الذهب والطمي ومعادن متنوعة بين الخردة والحلي، مع إضافة الحرق بالنار للتعبير عن البعد الرابع المعني بالزمن.استعادت الفنانة أزمنة سحيقة بأسلوب فني معاصر، ومشاهد قديمة لحضارات ما قبل الإسلام في اليمن من خلال ممالك يمنية تاريخية من أبرزها: مملكتا سبأ وحُمير، وتنوعت الأعمال بين الواقع والأسطورة، واستلهمت عناصرها رموزاً من الفن اليمني القديم.يعد {صرح} بانوراما تاريخية ملونة، وشواهد زمنية متنوعة من ممالك لحضارة اليمن السعيد، واستعرضت بعض الأعمال أختاماً ورموزاً كتابية للخط اليمني القديم {المُسند}، ورسائل ورقية متراصة في صناديق وملفوفة بالحبال، وعناصر خرافية كالأسد المجنح أحد حراس المعابد القديمة. أشاد الحضور بالمعرض، وثراء اللوحات ببعدها الجمالي والمعرفي، وتنوع المشاهد بدلالتها الرمزية، وتصويرها لسحر المكان، واستحضار المعتقدات القديمة مثل تقديس الحيوانات، ووجوه الموتى، لاعتقاد اليمني القديم بالبعث بعد الموت، وتناول قصة الملكة بلقيس والهدهد.عشق الجدران في سياق متصل افتتح د. أحمد عبدالغني، رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصرية، معرض {عشق الجدران} للفنان د. محمود حامد بقاعة الباب في دار الأوبرا بالقاهرة، وضم 30 لوحة في مجال التصوير، وارتكزت أعماله حول فكرة الحنين، واستلهام سيرة الأسلاف في الرسم والنقوش على جدران المعابد.لفت الفنان محمد حامد إلى استخدامه وسائط متعددة على ورق وقماش في مقاسات مختلفة، ليجسد الشعور بالرغبة الدائمة للعودة إلى عالم الذكريات، والحنين إلى أماكن وأزمنة فائتة، وحضور {الجدران} كفضاء لرسم خيالات وأحلام الطفولة، وتدوين لحظات الحزن والفرح، وارتباطها بالحاضر واستشرافها للمستقبل.قال د. أحمد عبدالغني إن {عشق الجدران} يجسد ولع الفنان بالولوج إلى مخزون الذكريات، ويعد الجدار ملمحاً من أحلام الصبا وشاهداً على تلك اللحظة الفائتة من عمرنا، إذ صار لكل منا جداره الخاص، يهرب إليه كلما اصطدم في الواقع بمحن وصعوبات.أشار عبد الغني إلى محاولة حامد الكشف عن أسرار هذا العالم، وأعماله كأنها تستنطق الصمت المهيمن لشخوص وكيانات تترقب لحظة البوح بأسرار ومعان ودلالات، عيون محدقة بعمق تنطوي على براءة وتحد وصمود، لكنها حنونة تنظر من دون تردد لتخترق الحاجز المادي للجسد، وتنطق برغبة الالتحام بالروح.