يقر الموقع الإلكتروني لوزير خارجية تركيا أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) لعب "دوراً رئيساً" في أمن بلده، ويشدد على أن تركيا، التي أصبحت عضواً عام 1952 "علقت أهمية كبيرة" عليه، ورغم ذلك لم يسبق أن بدا التزام تركيا بهذا التحالف أكثر تقلباً مما نشهده اليوم.

Ad

في المسائل الحساسة، من محاربة الدولة الإسلامية ونشر أنظمة دفاع متكاملة تتشاطر المعلومات وتعمل معاً إلى الوقوف بثبات في وجه العدوان الروسي على أوكرانيا، لا نحظى بتعاون كامل من الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته أو نرى رفضهم الصريح لأولويات الناتو ومصالحه، أضف إلى ذلك واقع أن تركيا في عهد أردوغان باتت أكثر استبداداً، وتحولت على ما يبدو إلى دولة تبتعد تدريجياً عن تحالف تشدد معاهدته على أنه "قائم على مبادئ الديمقراطية" بقدر الدفاع.

طوال أشهر، ضغط الحلفاء الغربيون على تركيا لتقفل حدودها غير المضبوطة، التي أتاحت لآلاف المجاهدين بالعبور إلى سورية للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يعرف أيضاً بـ"داعش"، وأفسحت في المجال أمام "داعش" لتهريب الأسلحة إلى الداخل وإخراج النفط الذي تعتمد عليه ليجني المال.

صحيح أن الحكومة التركية اتخذت خطوات لتصعب عملية العبور، إلا أنها تبدو غير مستعدة أو عاجزة عن منع هذا الدفق، وفق تقارير تيم أرانغو وإريك شميت لصحيفة The Times، فقد ذكر أحد المهربين أن عمله صار أكثر صعوبة اليوم، غير أن حراس الحدود الأتراك يغضون الطرف أحياناً.

قد يكون من المستحيل إقفال هذه الحدود الطويلة بالكامل، ولكن نظراً إلى جيش هذه الدولة الضخم وأجهزتها الاستخباراتية العالية الفاعلية، لا تملك تركيا أي عذر يبرر إخفاقها هذا، بالإضافة إلى ذلك، على تركيا أن تؤمن القواعد العسكرية والجنود لهذا الائتلاف، الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن جيمس كلابر الابن، مدير الاستخبارات الوطنية، أخبر الكونغرس أخيراً أنه ليس متفائلاً حيال بذل تركيا جهوداً أكبر للتصدي لـ"داعش" لأنها تملك "أولويات ومصالح أخرى".

تُظهر استطلاعات الرأي العام أن الأتراك لا يعتبرون "داعش" خطراً رئيساً، وأن الرئيس أردوغان قلق أكثر حيال معارضة الاستقلال الكردي داخل سورية وإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.

ثمة أوجه مقلقة أخرى من سلوك تركيا، تدّعي الحكومة أنها ما زالت تفكر في شراء نظام دفاع جوي من الصين تبلغ كلفته 3.4 مليارات دولار، ويشمل رادارات وصواريخ أرض جو طويلة المدى يمكنها أن تسقط صواريخ العدو، لكن هذه الصفقة تصطدم بمعارضة الحلفاء الأميركيين والأوروبيين لأنهم يعتبرون عملية الشراء العسكرية هذه من الصين خطراً. ويعربون أيضاً عن قلقهم من واقع أن تركيا لا تشتري نظاماً منهم، رغم أنهم تحملوا كلفة الدفاع عن تركيا في وجه الاعتداءات السورية بنشر صواريخ باتريوت على الأراضي التركية.

علاوة على ذلك، أعلن وزير الدفاع التركي الشهر الماضي أن الحكومة لا تنوي دمج أي نظام دفاع جوي تشتريه مع أنظمة دفاع الناتو وراداراته كي تتمكن هذه الأجزاء المختلفة من العمل معاً، مع أن الناطق الرسمي باسم الرئيس التركي ذكر لاحقاً أن تركيا ستدمج النظام الجديد وأنظمة الناتو.

لن يدمج الناتو نظامه بأي نظام صيني لأنه لا توافق بين النظامين، فضلاً عن أن النظام الصيني قد يحتوي على برامج خطرة، وقد عارض أعضاء من الكونغرس الأميركي هذه الخطوة، وإذا رفضت تركيا ربط نظامها الدفاعي بأنظمة الناتو "تضعف بذلك عملية الدفاع عن أراضيها، وتضعف الناتو في الوقت عينه"، وفق إيفو دالدر، سفير أميركي سابق إلى حلف شمال الأطلسي.

بالإضافة إلى ذلك، يُفترض أن توقع تركيا هذه السنة اتفاقاً يسمح لروسيا ببناء خط أنابيب غاز طبيعي إلى تركيا، متخطية بالتالي أوكرانيا، ويبدو أن حكومة أردوغان تتجاهل العقوبات الغربية وتسعى إلى استغلال الشرخ بين روسيا والغرب بسبب غزو روسيا أوكرانيا لتكسب إمدادات طاقة بأسعار متدنية. كذلك تخطط روسيا لبناء أول محطة طاقة نووية في تركيا.

يذكر المسؤولون الأميركيون أنهم لا يعتقدون أن تركيا قد تنسحب من الناتو، ولا شك أن خطوة مماثلة تشكل خطأ تترتب عليه عواقب كارثية، لكن واقع أن المسؤولين وخبراء الدفاع يثيرون حتى هذا الاحتمال يُظهر مدى قلق الحلفاء من الاعتماد على تركيا في أي أزمة.