سنوات عجاف مرت على الشعب الفلسطيني منذ بدء الانقسام بين شطرين هما ما تبقى من الوطن، وكان بين أكبر تنظيمين من التنظيمات الفلسطينية الكثيرة، مما ترتب عليه تراجع كبير في قوة التفاوض ومنطقه حول باقي مستحقات الشعب الفلسطيني من اتفاقية أوسلو!
الضفة الغربية وما فيها من (السلطة التي تتمثل بفتح)، وقطاع غزة وما فيه من حكومة "حماس"، جعل الشعب الفلسطيني في حيرة من أمره، ذلك أن آمالا كثيرة تفتحت لدى الكثيرين بعيش كريم ومستقبل يعيد بناء ما ضاع في سنوات الهجرة حين عادت القيادة الفلسطينية إلى الوطن (الضفة وغزة) وهي تحمل مشاريع مستقبلية شعر الكثيرون أنها ستكون طوق النجاة لسنين أكثر قسوة مما تحمّله شعب طرد من أرضه، وناضل حتى وصل أول الطريق بأن أصبح له قيادة على جزء من أرض الوطن.بينما البعض وهم أيضا كثيرون كانوا وما زالوا يرفضون واقع السلطة التي أتت من "أوسلو" واتفاقيتها الشهيرة، وقد دعم موقفهم في الرفض ما آل إليه وضع السلطة من ضعف في كثير من المراحل الدقيقة والهامة في مواجهة تحديات دولية ومفاوضات قاسية مع المحتل؛ دون أن تمتلك هذه السلطة قوة فعلية في هذه المواجهة، خاصة كلما اصطدمت طلباتها بمواقف رافضة من المجتمع الدولي في شقه الأقوى عالميا. ما مر على الشعب الفلسطيني منذ قيام السلطة معروف للجميع لسنا بصدد تكرار الحديث عنه! يوم الخميس التاسع من شهر أكتوبر 2014 كانت أول خطوة عملية تبشر بتفعيل المصالحة بين شطري الوطن (الضفة وغزة) وذلك بزيارة حكومة الوفاق الوطني ورئيس وزرائها رامي الحمد الله (كما أطلق عليها بعد المصالحة) لقطاع غزة، واجتماعه مع قيادات "حماس" الذين رحبوا بهذه الزيارة، وقبل قدوم الحكومة إلى غزة طلب أحد قيادييها من سكان القطاع أن يظهروا الترحيب الكبير بهذه الزيارة وأن يكونوا في استقبال الحكومة عند معبر بيت حانون، الأمر الذي جعل البعض يشعر بالراحة بعد كل الإرهاصات التي مروا بها، خاصة بعد الحرب على غزة التي ما زالت تضمد جراحها، وبعض سكانها الذين فقدوا بيوتهم ما زالوا يعيشون في مدارس الإيواء في انتظار ما سيتمخض عنه مؤتمر الدول المانحة لإعمار القطاع في الأيام القادمة، والذي سيعقد في القاهرة بإشراف مصر والنرويج. وقد تابعنا هذه الزيارة بالتصريحات والصور، فكانت هذه الصور تعبر بصدق عن أمنيات الجماهير التي خرجت ترحب بالقادمين من أبنائها الذين غيبهم الانقسام، فرأينا الآلاف من أبناء القطاع يحيطون بموكب أعضاء الحكومة في مشهد تأخر كثيراً، فكانت نتائج هذا التأخر سلبية بكل ما تعني الكلمة على الجميع بلا استثناء في كل من الضفة والقطاع، هذا الاستقبال الجماهيري الحار هو الأكثر وضوحا لمعنى (طي صفحة الانقسام) لأنه عفوي، ومطلب هام.دعونا من مواقف القيادات وتصريحاتها الآن رغم ما فيها من غزل وود، ذلك أن السياسة لها أوجه تتقلب وتتبدل بما يتفق مع مصلحة صاحبها، ونحن هنا لا نشكك ولكننا نلفت النظر إلى أن العامة من الجماهير لهم مطالب تأخر تحقيقها كثيراً وترتب على هذا التأخير الكثير من الخسارة المادية والمعنوية والاجتماعية.ولعل من أهم ما يريده سكان القطاع هو رفع الحصار عن القطاع برا وبحرا وجوا، وإعادة الإعمار، وعودة التيار الكهربائي، والتأهيل النفسي لمن أصابته عاهة مستديمة، وفرص العمل للآلاف من الخريجين، وتعديل أوضاع الآلاف من الموظفين الحكوميين قبل الانقسام... ولا يخفى على أحد أن البنية التحية في القطاع تكاد تكون صفرا.لن نتعجل النتائج لأنها محكومة بظروف لا تملكها الحكومة ولا القيادة، إنما هي في يد آخرين ارتضوا أن يكونوا وسطاء في هذه القضية الشائكة التي كلما أوشكت أن تتقدم خطوة إلى الأمام نحو استكمال هيكلة الدولة الفلسطينية، بادر المحتل إلى المزيد من التعقيدات والمماحكة والخروج على المبادئ الدولية، وآخر هذه الخروقات كما أسلفنا كان الحرب على غزة بما لم يكن له مثيل في السابق. سنحتفظ بفرحة الزيارة كغيرنا من أبناء شعبنا في غزة الذين ناموا هذه الليلة على أمل رؤية شطري الوطن في انسجام وتلاحم هما أقوى صفعة في وجه المحتل الذي حاول أن يبقي الوضع على ما هو عليه إلى ما لا نهاية، ونسي أن هذا الشعب جبار لا يستكين ولا يلين، ويعفو عن بعضه إذا ما اشتدت المحن، كما ظهر وقت الحرب الأخيرة على غزة.ولسنا أول الأمم التي تختلف فيما بينها، لكننا شعب مميز بأن له أرضا اغتصبت وتكالبت عليه الأمم في سابقة ليس لها مثيل في العصر الحديث، وهذه فرصة ربما هي الأخيرة كي تستقيم أمورنا ونحقق حلم الدولة التي نريد!وهمسة في أذن الذين عانوا الإحباط الشديد ونحن منهم طوال سنين مضت، بأن يكون الأمل والتفاؤل طوقي نجاة نتمسك بهما، وأن نوحد الموقف والكلمة وننتظر النتائج!* كاتب فلسطيني - كندا
مقالات - اضافات
المصالحة بدأت بزيارة الحكومة!!
11-10-2014